يجدر بنا ومن منطلق المسؤولية في التوعية ان نشير الى واحدة من خطب الامام الحسين(ع) الرائعة والكثيرة في استنهاض الطبقة المثقفة في الامة (العلماء) وجعلهم عند مسؤولياتهم الخطيرة في تبني الاصلاح ونشر الوعي في الامة
ورد الكثير من النصوص في حقّ علماء الدين من خلال مواقفهم المسؤولة وادوارهم الناصحة في توعية الامة وبث روح الاسقامة ومحاربة الظالمين والتصدي للضلال والبدع بأنّهم حفظة الدين والأمناء عليه وورثة الأنبياء وهذه التعابير وردت لأجل بيان وظائف هؤلاء الاساسية والخطيرة وليس لمجرّد الانزواء او التعبد وزيادة الألقاب بلا التفات إلى مصالح الامة ومصيرها .
فقد روي أنّ رسول الله (ص) قال: (اللهم ارحم خلفائي...فسُئِل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟
قال: (الذين يأتون من بعدي، يروون حديثي وسنّتي، فيُعلِّمونها الناس من بعدي).
إنّ هذه الرواية تخص العلماء الاعلام الذين يجب عليهم (والينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم ) حسب(اية النفر في سورة التوبة وهي اخر ما نزل من القران ) والانذار هو اوسع من مفهوم (التفقه ) الاحكام العملية وعليهم يقع تعليمهم ونصحهم للناس ..وليس فقط نقل الروايات وبيان الاحكام وتاريخ الإسلام لان كلمة (الخليفة) معنىً واسعاً جداً، ومن جهة أخرى إنّما يصحّ إطلاق لقب الخليفة على الشخص إن كان يمكنه القيام بوظائف ومسؤوليّات من يخلفه في سياسة البلاد والعباد من منطلق وظائف النبي (ص) إبلاغ الأحكام وبيانها وإدارة الحكومة الإسلاميّة والمجتمع الإسلامي وعليه فالفقهاء هم خلفاء النبي (ص) في تمام شؤونه عدا تلقّي الوحي.وعنه(ص) قال:(لفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول الله، وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتّباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم).
وهنا يظهر خطر دور الفقهاء بأنّهم أمناء الرسل، أي أنّ وظيفة الفقهاء الاعلام التصدي لكلّ الأمور التي هي من وظيفة الأنبياء وعليه يمكن لنا أن نقول: إنّ الفقهاء مكلّفون بإجراء القوانين، وقيادة الجيش، وإدارة المجتمع، والدفاع عن أحكام الإسلام والقضاء. وهم حصون الاسلام (لأنّ المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام، كحصن سور المدينة لها)
ويبين الامام علي (ع) خصائص اؤلئك العلماء بقوله:( العالم اطهر الناس اخلاقا واقلهم في المطامع اقترافا)
ولعظيم منزلة العلماء الواعين في الامة وجليل خطرهم بالاحداث وتوعية الناس فقد وجه الامام الحسين اليهم خطابه المشهور في مِنى مشخصا واجباتهم قائلا:(وأنتم أعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسمعون او(تشعرون)، ذلك بأنّ مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سُلبتم ذلك إلا بتفرّقكم عن الحق، واختلافكم في السنّة بعد البيِّنة الواضحة، ولو صبرتم على الأذى، وتحمَّلتم المؤنة في ذات الله، كانت أمور الله عليكم ترد، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع، ولكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم، واستلمتم أمور الله في أيديهم، يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات..) !! حيث اماط الثام عن خطر مسؤولية العلماء ووضع النقاط على الحروف بما ستؤول اليه حالة العباد بتقاعسهم او باتباع الهوى والخلود الى طاعة السلطان
وقد اوجب الائمة بلزوم الاحتكام اليهم وحل الخلافات عندهم وعدم التقاضي الى ائمة الجور بقولهم :( ينظران إلى من كان منكم ممّن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً, فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يُقبل منه، فإنّما استخفّ بحكم الله، وعلينا ردّ، والراد علينا كالراد على الله, وهو على حدّ الشرك بالله)
ومن هذه النصوص يتضح دور علماء الامة في بناء المجتمع الصالح والجماعة الصالحة ومقارعة الطغاة والتصدي للضلال ومحاربة البدع ...!!!