طائفي بوزن الديك

على غرار الأوزان المعتمدة في المصارعة و الملاكمة ، نقل السياسيون أصحاب العلامة الفارقة بالدفاع عن المذهب والطائفة صراعهم الى شاشات الفضائيات ، وأمام المشاهدين كشفوا مستواهم العقلي والمعرفي بل "انغلاقهم" ونعراتهم المريضة ، ومنهم من يتصور بأن حكم النزال وبعد انتهاء المنازلة بجميع جولاتها سيحمل يد الفائز ويتوجه بطلا طائفيا بامتياز يحمل الحزام الذهبي المذهبي العراقي ، ثم يستعرض صاحب الحزام في الحلبة ليمنح المصورين فرصة التقاط صور فوتوغرافية لتوثيق الانتصار لتتحول في ما بعد الى وثائق ، تكشف للأجيال القادمة مستوى الانحطاط السياسي في "العراق الجديد" .
هواة ومحترفو لعبتي الملاكمة والمصارعة ، يخوضون نزالاتهم طبقا لأوزانهم بدءا من الخفيف والمتوسط والثقيل ، وكانت الأوزان تعرف بأسماء أخرى الريشة والذبابة والديك والثقيل ، ومن شروط المنازلة في الحلبة الاشتراك بوزن واحد ، فلا يجوز ان يصارع او يلاكم ابو الديك خصمه من وزن الثقيل ، وفي الصراع السياسي ، حين تكون مساحة البلاد من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، حلبة مصارعة او ملاكمة وفي بعض الأحيان ساحة سباق خيل ، تنتفي الحاجة الى الأوزان ، فخوض الصراع والنزال، يكون بواسطة اللسان، وقواعد اللعبة تسمح باستخدام الشتائم والألفاظ النابية ، بضربات مستقيمة للإطاحة بالخصم بالضربة القاضية .
الشارع العراقي قبل الغزو الأميركي ، لم يكن طائفيا مقارنة بالصورة الحالية ، وما شهدته البلاد من أحداث ومظاهر كرست الانقسام ، وجعلت الدفاع عن المذهب والطائفة موقفا نضاليا ، على حساب الغاء المواطنة ،والنظر الى التنوع الاجتماعي من زاوية ضيقة بمزاعم الحصول على حقوق المكونات ومشاركتها في إدارة البلاد ، وعلى هذا الوتر عزف الطائفيون من مختلف الأوزان معزوفاتهم النشار ، فأججوا الشارع ، فعاش سنوات احتقان أدت الى عنف متبادل ، وفي حمى الصراع الطائفي ، وصل الأمر الى حد المطالبة بموازنة الرعب ، والحلبة يوميا تشهد نزالات بين المتخاصمين ، لم يعلن الحكم الغالب والمغلوب ، بقدر إثارة الشارع، وجعل السلاح اللغة السائدة بين اطراف النزاع على الرغم من إعلان معظم القوى السياسية إيمانها بالديمقراطية ، واستعدادها على إدارة البلاد "على حب الله" مادام الدستور بحاجة الى العديد من التعديلات ، وحالات اختراقه أصبحت قاعدة بلا استثناء .
طائفي من وزن الديك بإمكانه ان يشعل فتيل حرب أهلية ، حين يظهر على شاشة فضائية ، من مقر إقامته في عاصمة عربية ليشتم أبناء شعبه ويدافع عن الإرهابيين ، ويتجاهل جرائمهم بحق المسيحيين والشبك والإيزيديين وغيرهم ، الطائفي كان عضوا في مجلس النواب ، شغل مقعده في الدورة التشريعية قبل السابقة بالقائمة المغلقة ، وصدق انه يمثل الشعب ، وحصل من الدولة على امتيازات وراتب تقاعدي ضخم ، واعتمدته فضائيات تابعة لشخصيات سياسية معرفة محللا وخبيرا ومفكرا ،فانتقل من وزن الذبابة الى الديك ، واخذ "يعوعي" فحمل "الحزام المذهبي" لفوزه بمنازلة اطلاق شتائم" لا يلبس عليها عكال" .