واقعة الطف أعيدت في قرية بشير التركمانية..!!

يصادف اليوم التاسع من ايام محرم الحرام وهو مايسمى بليلة "عاشوراء". وبهذه الليلة اود ان اسرد لكم قصة قصيرة واقعية تربط بين " ليلة الامام الحسين وأصحابه"  وما يقابله بالمثل ليلة استشهاد كوكبة من "شباب التركمان الابطال" في قرية بشير التركمانية الشهيدة .  

في هذه الليلة بات الامام الحسين واهل بيته وأصحابه ( عليهم السلام ) وَلهم دويٌّ كَدويِّ النحلِ ، مَا بَينَ راكع وساجد ، وقائم وقاعد، ولم يناموا في هذه الليلة أحد إلى الصبح ، وكذلك النسوة والصبيان كلّهم يدعون ، ويوادعون بعضهم بعضاً. واما العباس (ع) خُصص من بينهم بحفظ بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته ، كان راكباً جواده متقلداً سيفه آخذاً رمحه يطوف حول الخيم ، لانه آخر ليلة أراد أن يوفي ماكان عليه ويرفع الوحشة عن قلوب الهاشميات حتى يَجدنَ طيب الكرى ، وقد أحاطت بهن الاعداء ! وكانت عيون الفاطميات به قريرة ، وعيون الاعداء منه باكية ساهرة ، لانهم خائفون مرعوبون من أبي الفضل(ع) وما تنام أعينهم خوفاً من بأسه وسطوته ونكال وقعته ، ولكن انقلب الامر ليلة الحادي عشر ، قرت عيون العسكر ، وبكت وسهرت عيون الفاطميات.
يعلمون بان هذه الليلة هو اخر ليلة لهم وغدا سوف يستشهدون لانهم خرجوا بوجه ظلم يزيد وفساد حكومته وذلك لطلب الاصلاح في أمة رسول الله محمد (ص) ولم يخرجوا من أجل الجاه والدنيا والسلطة.

مااشبه هذه الليلة بتلك الليلة عندما شد الرحال ثلة طيبة من شباب التركمان الابطال في طوزخورماتو وبشير وتازة للذهاب الى قرية بشير بنية تحريرها من الدواعش في تاريخ ٢٠١٤/٦/٢٩.
نقل لي اخوة احد الشهداء الابطال ، قال: ” قضى الشهداء تلك الليلة في احد البيوت بناحية تازة خورماتو، وبعد ان أنجزوا مهمة التخطيط والتحضير عملية ليوم غداً . توجهوا جميعا الى الغسل وتفرغوا للصلاة والاجتهاد في الدعاء الى الله ان يرزقهم الشهادة في سبيل الله ، وكانوا يعلمون بان هذه الليلة هي ليلتهم الاخيرة وغداً سوف يستشهدون على أيدي قوى الظلام من اجل إعلاء كلمة الحق وإصلاح الأمة كما خرج من اجله الامام الحسين في يوم عاشوراء” .
ويقول : “ان الشهداء كان قلبهم كزبر الحديد لا يخافون من الأعداء لومة لائم وكانوا متعطشين للشهادة من اجل العقيدة والقضية والمبدأ ” .
فحينها خاطب الشهيد ( عدنان ) الشباب وهو اكبرهم عمراً بينهم: “ياشباب لا تزال أعماركم بعمر الورد، لذلك فالعمر أمامكم ارجعوا واتركوا الامر لنا ، فهذا الطريق لا رجعة منها !” . وكأنه يريد ان يختبرهم.
لكن أجابوه بالقسم : “فوالله لن نرجع الا ان ننال الشهادة ، وعندما ننادي في يوم عاشوراء كل سنة ( ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما) فاين نحن من هذا الكلام تطبيقاً على الميدان ! ، لذلك نحن عزمنا على نصرة الامام الحسين (ع) ونهجه الحق من اجل إصلاح وإنقاذ اهلنا ونحرر المدينة من أنجاس الدواعش وهم امتداد لبني أمية ( لعنهم الله )”.
فحينئذ قال لهم: “والله انتم أبطال إذن نتوكل على الله ونقرأ زيارة الامام الحسين في هذه الليلة المباركة “..لم ينم أغلبهم في تلك الليلة فبعضهم من اتصل بعائلته لكي يودعهم ويطلب براءة الذمة منهم، وبعضهم يجتهد بالدعاء والصلاة، وبعضهم يخطط ويفكر ليوم غدٍ..
واذا هم كذلك، أذن المؤذن آذان الصباح ب( الله اكبر ) ، قاموا للصلاة فصلوا ثم تحضروا للخروج الى ساحة المعركة فهنا بدأ الابطال لتوديع بعضهم البعض لانهم انقسموا الى مجموعتين حسب الخطة العسكرية .
وفي الصباح الباكر انطلقوا نحو بشير بخطة محكمة وبعد المواجهات بالمقاومة الشجاعة منهم حرروا بعض الجوانب من المناطق على انحدار ناحية تازة خورماتو حتى وصلوا الى وسط المدينة ولكن العدو حفر لهم فخ وأوقعهم بطريقة جبانة ، لذلك شاء الله ان يراهم شهداء، فوقعوا في ذلك الفخ وأصبحوا اسارى في داخل المدينة بيد الأعداء. فقاموا بقتلهم واحداً تلو الاخرى ، فمنهم من ذبح ، ومنهم من سلب وقتل، ومنهم من مثل بجسده، ومنهم من شنق، ومنهم من عذب حتى الموت.

نعم، هكذا عذبوا شهدائنا كما جرى في كربلاء يوم عاشوراء بواقعة الطف على الحسين واهل بيته وأصحابه (ع) بيد جيش بنو أمية . فبقيت الجثث الزاكيات مطرّحة في ميدان المعركة، فهنا يربض جسد الحسين (ع)، وهناك يمتد جثمان أخيه أبي الفضل العباس ( ع )، وهنا تتحلق نجوم من أجساد آل أبي طالب وترقد جثمان كواكب الأنصار، فهم متناثرون يملأون أرض المعركة فكانت بهم سماء، وكانوا فيها أنجماً. بقيت تلك الجثث مطرّحه في مصارعها ثلاثة أيام بلا دفن ، تنتابها الوحوش، وتلفحها حرارة الشمس المحرقة.
الامر المؤلم والمفجع هو ان جثث شهدائنا ايضا بقيت في العراء وتحت أشعة الشمس المحرقة تنتابها الوحوش والحيوانات، صحيح ان جسد الحسين واهل بيته وأصحابه دفن بعد ثلاثة ايام من مصارعها ولكن ان جثث شهدائنا لم يدفنوا بعد ومّر اكثر من خمسة أشهر على مصارعهم ، تصهرها حرارة الشمس المحرقة، وفي العراء تسفي عليها الرياح، وتنتابها الوحوش!!!

هكذا جسّد شهدائنا الابطال ملحمة الطف الشهيرة بعد مرور عليها اكثر من ١٤٠٠ سنة ، ورسموا لوحتها الحمراء في سماء قرية بشير الشهيدة ، علماً تهوي إليهم الافئدة ، ومناراً ينير الدرب للثوار، فالتحقوا بالشهداء والصديقين والصالحين والنبيين وحسُن أولئك رفيقا.
نعم ، تذرف الدموع بذكراهم ولكنهم قرروا البقاء خالداً في ذاكرة التاريخ الى الابد فلن ننساهم. فسلامٌ عليهم يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون احياء.