"يا حسين بضمايرنا" .. أنشودة شعب

 

قبل هذه القصيدة التي كتبها الشاعر عبد الرسول محيي الدين في السبعينات كانت قصائد الرثاء الحسينية التي تقرأ في المناسبات تسعى فقط إلى استثارة عواطف الجزن .. بينما تذهب قصيدة "يا حسين بضمايرنا" بعيداً لتقدم سردية متكاملة وقراءة فلسفية عن علاقة الشيعة برمزهم المحوري، وموقع هذا الرمز في حياتهم وتاريخهم. 
أحد مقاطع القصيدة (مّر بينا عله حبّـك دور ..الخ) يصور علاقة ثلاثية الأطراف تشير القصيدة لهم بالضمائر فقط: (نحن- هو (أو هم)-أنت) .. الـ "هو" يستخدم كلّ أساليب القمع والعنف لإنهاء هذه العلاقة بيننا وبينك.. الـ "نحن" لا تستخدم أي أسلوب للمقاومة والبقاء سوى الحبّ والتمسك بهذه العلاقة العاطفية- الروحية- العقائدية. هل كل هذه المقاومة هي من أجل التمسك بالمحبوب أم العكس: حبّنا (نحن) لـك "أنت" كان ولا يزال وسيلتنا وأسلوبنا لمقاومته "هو". 
"هو" يمارس القمع .. "نحن"نمارس المقاومة من خلال التمسك بالحبّ. "انت" لا تحتاج إلى أي فعل أو ممارسة .. وجودك كهدف للعاطفة الجماعية هو الفعل.
في بقية مقاطع القصيدة يكاد الـ "هو" أن يختفي تماماً. تصبح العلاقة ثنائية بيننا (نحن) وبينك (أنت). وهنا يأخذ الرمز (الإمام الشهيد) دوراً آخر فهو ليس فقط رمزاً لمقاومة الآخر الظالم بل لتهذيب الذات وإضفاء معنى على وجودها في هذا العالم وتحديد بوصلتها الأخلاقية والإنسانية.
إلى جانب "الرمز المقاوم" و"الرمز المرشد" نجد في مقطع آخر (افرض يجتذبنا الكاس ويسحرنا هوى التجديد ...الخ) "الرمز- الملاذ الروحي"، المنقذ من التيه في هذا العالم المزدحم بالمغريات والتجاذبات: فمهما تعرضنا (نحن) إلى اختبارات وتجارب ومهما تهنا وضعنا في دروب الحياة : "لا بد ما هوى الرحمة .. يدركنا ونردّ اجديد".
رمز المقاومة – المرشد الأخلاقي – الملاذ الروحي .. هذه هي صورة الإمام الشهيد كما أرادت هذه الأنشودة الخالدة أن تحفرها في الوجدان بعد أن رسخت تقاليد شعبوية طويلة صورة أحادية للـ "البطل التراجيدي" .. وبينما حاول الآخر ترسيخ صورة مضادة لجمهور عبثي لاعقلاني يمارس تعذيب الذات بلا معنى.
........
أخيراً .. لا أستطيع شخصياً أن أنسى جلالة المشهد وأنا أستمع لهذه القصيدة الخالدة بصوت مؤديها الأصلي المرحوم ياسين الرميثاوي، الذي كان مشرداً لاجئاً معنا في صحراء رفحاء. وسط الصحراء .. آلاف اللاجئين المشردين تجمعوا بين الخيام المهلهلة وجعلوا من صدورهم آلة الإيقاع لأنشودة شعب كان يمكن أن تلتهمة صجراءات كثيرة تاه بها من قبل لولا أنّ لديه رمزاً -مناراً- وملاذا يلجأ إليه ويسترشد به في التيه.


 رابط القصيدة من هنا