ترك العراق حين كان طفلا، بعد هجوم كاسح لقوات الجيش على المناطق الكردية في التسعينات ، هرب والدية الى مخيمات اللجوء في دول الجوار وبعدها الى اوربا، طفلا عاشت في ذهنه الصور القديمة ، لكن الصورة الجديدة ارتسمت له على يد المعلم الذي لم يصفعه بالكف بمناسبة ودونها ، او يجبره للوقوف على قدم واحد في زاوية الصف ، وليس في اجواء سخرية زملاء الصف، او مقص المدير لمحاربة ذوي الشعر الطويل كما كان يحدث في مدارسنا، وانما في اجواء يساله المعلم بها ماهو رايك انت وماذا ترغب ان تعمل وماذا تريد ان تكون في المستقبل ، وابتسامة ترسم على الوجه ، ليس بسبب الحب والحنان وغيرها ولكن بغض النظر عن هذه الامور الا ان القانون يمنع منعا باتا ضرب الطفل ، او تعريضه للاستهزاء والسخرية ، ويعاقب عليها ان حصلت ، هذا لا يعني انها لن تحصل في مدارس البلد الذي عاش به هذا الطفل ابن اربيل وانما ان حصلت فهي حالات يسلط عليها الاعلام ناره وكثيرا ما تكون نتائجها بفصل من يرتكبها من عمله ان لم تصل لعقوبات اخرى، وهذه لا تشبه باي حد من الحدود مدارسنا التي شعارها العصا لمن عصى !! ونحن عصاة بالفطرة!! والمعلم بها رسولا!!. سقط النظام وكانت قبل ذلك المحافظات الكردية تحت الحماية الدولية، حينها قرر الوالدين العودة لارض الوطن، البعض يتصور العودة بسيطة جدا ، تذكرة سفر وحقائب واشياء يحملونها معهم لا يملكها الجيران، فتسلط الضوء عليهم ، لم يدرك الكثير ان البدايات صعبة جدا لابل انها اصعب بكثير من النهايات، ونحن الذين " طفرنا " من فوق قبورنا الجماعية لخارج حدود المجزرة !! مررنا ببدايات كثيرةٍ ونهايات كثيرة ٍايضا، وبصدق اصبحنا بعدها نشابه الغربان لا نحن نركض ولا نحن نمشي بحالة هرولة دائمة وضياع دائم ناهيك عن الاستنزاف بجميع المجالات . عاد الابن الاربيلي الى احضان اهله ولغته وجبال مدينته ، الا انه بعد حين قرر العودة من حيث اتى، وحين وصل لبلد الاقامة استقبله احد اصدقاء والده في المطار وبالتاكيد ستكون هناك الكثير من الاسئلة عن الحال والاحوال ، وكان جواب الفتى لا يوجد شيء جديد!! كيف لا يوجد شيء جديد وهناك عمران في البلد وتشجير وجسور وتبليط ومدارس وو وو وو ، فكان جواب الشاب الذي ابعد قسرا دون اي ذنب يرتكبه الا لكونه كردي القومية كما هم عشرات بل مئات الالاف من المعارضين للنظام ايضا، نعم هناك عمران و تبليط ومدارس وتشجير ولكن يا عمو نفرات شيعقله!! نفرات يقصد بها الناس وشيعقله قصده بها الوعي والتمدن والتحضر!! فهل طفل الامس على خطاء ام انه اصاب الحقيقة من راسها حتى اخمس قدميها. ان العمران الشاهق وغيره من مظاهر البناء لا يدلل على تقدم البشر بقدر ما يدلل عليه سلوكهم اليومي !! ونحن لازلنا حتى اليوم وللمستقبل القريب نعيش تحت الجملة التي اطلقها الاربيلي بحق " نفرات شيعقله" حقا نفرات بما تعنية الكلمة لان ثقافة النفرات هي طوي الخيمة والرحيل، وهذه غير ثقافة بناء وثبات المدن والحفاظ عليها وعلى معالمها التاريخية. كريم الربيعي 26-2-2013
|