تمتاز شعوبنا بفقر القدرة على الإبتكار والإنتاج والمعرفة العميقة ، وهذه الأشياء المهمة هي التي تجعل من الإنسان المتعلم و"المثقف" والأكاديمي قادراً على ترجمة حالته المعرفية وتفريغ شحناتها عبر أشياء نافعة مادياً ومعنوياً فيشعر معها بكيانه واهميته ومكانته بين الناس ليمكنه ذلك من الاندماج في مجتمعه من خلال وصفه فاعلاً ومتفاعلاً معه. لكن ذلك الفقر المعرفي والإنساني يتعرى تماماً خارج الوطن . خلال عقود مرت هيمن الشعر على المشهد الثقافي ، وصار الشاعر يمثل ركناً مهماً في الأنظمة السياسية وايديولوجياتها او في المعارضة وآلياتها . ولأن انظمة الشرق المستبدة لا تمانع في اعدام كل من يفكر بمعارضتها او التحريض على ذلك هاجر الكثير من الشعراء والمثقفين لبلدان العالم المختلفة واستخدمت تلك الحجة للحصول على جنسيات مختلفة صدقاً او كذباً لتجد اننا كبلد نمتلك الرقم القياسي في تعداد المجاهدين والمعارضين والمقاومين لكن الحقيقة وواقعها مؤلم جداً،فلو صحت تلك الأرقام مثلاً فما بالنا نعود القهقرى بعد ان حكمنا المجاهدون ؟ هل صار الجهاد والمقاومة شعاراً للفاشلين ؟ المشكلة التي تواجه [البعض] من هؤلاء انهم بلا جهد معرفي حقيقي وبلا قدرة على الإنتاج يمكنهم من الحصول على عمل محترم يتيح لهم الإندماج والتفاعل واكتساب صفات جديدة تصالحية وحضارية في اوطانهم الجديدة فيعتاشون على المساعدات وهذا بحد ذاته كاف لخلق العديد من العقد النفسية داخل الكيان الإنساني . ورغم السنوات الطويلة هناك لم يتمكن البعض من الحصول على جنسية تلك البلدان بسبب الفشل في الإندماج والتفاعل . يشعرون بفراغ تام نتيجة عدم الإندماج والقطيعة مع مجتمعاتهم الجديدة ولذلك فهم في محاولة للتواصل مع مجتمعاتهم القديمة خاصة بعد توفر مواقع التواصل الإجتماعي التي وفرت لهم فرصة قتل ذلك الفراغ وتواصلهم هذا مرتبط دائماً وللأسف بإستعلائية فارغة ونظرة فوقية لمجتمعاتهم "المتخلفة"، فيلعبون دور البطل والنموذج المتفوق والمخلص ايضاً ، العارف بخفايا الكون والقابض على الحقيقة المطلقة للوجود . انهم ينظرون للماضي وللديار وللأهل وللبلاد وللتراث وللفلكلور وللعقيدة وللأصدقاء كنقطة سوداء في تاريخهم المقدس ، وربما يشعرون ان تقدم الدول الغربية ورقيها تم بفضلهم ونظافة شوارعها بتوجيهاتهم واناقة سيداتها بسبب وسامتهم لذلك فهم ينظرون لبلدان الأجداد على انها وصمة عار تلاحقهم. فهموا الحرية على انها فوضى واساءة وفشلوا في صناعة نموذجهم الخاص المتكون من لقاء حضارات متعددة ، محافظة ومنفتحة ، اسلامية ومسيحية ، حارة وباردة ، فقيرة ومرفهة . لم تهذهبهم الديمقراطية والحرية والقوانين الغربية كما لم يمنحهم خجل الشرق وبدويته واحترامه للمرأة شعوراً بالشرف . وللأسف ايضاً فالكثير منهم لا يجلبون لتلك البلدان التي احتضنتهم سوى الصداع والخراب والموت ومخالفة القوانين والجريمة . وكمحاولة بائسة ، يحاول البعض ان يتخلص من ذلك الماضي الذي يعتبره معيباً عبر لعنه وشتمه والسخرية منه والإساءة له (الماضي المكان والماضي الزمان ، الماضي الأشخاص والتقاليد و الماضي الدين والعشيرة ) مع ان كل المجتمعات المتحضرة تقدس الخصوصية وتحترم المعتقدات والحرية في اعتناقها . الكثير من المبدعين العرب والمسلمين ايضاً استطاعوا ان يقدموا نماذجاً معتبرة في مجالات متعددة واستطاعوا بحكمة وشجاعة وذكاء ان ينجحوا في التماهي مع بلدانهم الجديدة والتفاعل معها والتواصل مع بلدانهم الأصلية ومساعدتها بطرق حضارية وانسانية مختلفة لا بالإساءة لها وشتمها كما يفعل الجبناء .
|