أنمار رحمة الله , ولعبتهُ الإلزاميةِ في عودة الكومينداتور(2)... هاتف بشبوش

 

*قصة..اللعنة.....  

عامل التشويق مهم للغاية في القصة القصيرة , قصة اللعنة جاءت بهذا التشويق الجميل , حيث نقرأعن شخص مصاب بالزهايمر وفي نفس الوقت مصاب بمرض عضال , ينسى كل شئ ولايتذكر الاّ الموت الذي يأخذ كل تفكيره , الإنسان يزدهر ويتمتع بكل شئ , لكنه ضعيف مثل نخيل باسق أمام فأس الموت , لنقرأ جزء من القصة في الثيمة أدناه .....

(حاول الوقوف والإنتصاب على قدميه الراعشتين , ناضل من أجل إستجماع فتات شجاعته ووقاحةٍ ونزقٍ قديم , حاول ولكن عبثا يحاول في مواجهة هذا الإعصار الذي عنوانه الحتف). ( الموت لايتكلم إنه يسرق بحزم سكين , السيف الذي يذبح الشعراء والأزهار والربيع لايتكلم.......ياله من منجلٍ كبير يحصد الرؤوس , ياله من سفر طويل تزدحم في محطاته حقائب الأعمال الصغيرة والكبيرة).

 الموت لايكل عن ملاحقتنا جميعا أينما كنا أو نكون , كلنا متساوون أمام جبروته ,ولذلك الرجل في قصتنا هذه كان مرعوبا على الدوام عند سماعه بمرضه المميت . الرجل على مايبدو بخيلا لايحب التبذير , مهملاً نفسه معتقدا أنّ الأطباء عبارة عن محرقة لأموال البشر , لم يعطي فقيرا على الإطلاق , هذا الرجل يذكرني ببطل العالم الأثيوبي في الماراثون (جيبري سيلاسي) وهو اليوم من رجال الأعمال لحصوله على الجائزة الرياضية أنذاك بعد إنْ كان فقيرا معدما , لقد رأيتُ الأطفال الفقراء في أثيوبيا كيف يركضون وراءه دون أنْ يكترث لهم , فيقذفونه بالسباب والشتائم والبخل , بينما هو يقول لهم مستهزءاً , لكم ربُّ يعطيكم .

الرجل في قصة اللعنة بدأ ينسى كل شئ , إبتداءاً من نسيانه لأشياءه التي يضعها في مكانٍ ما من البيت حتى نسيان أسماء الأصدقاء الأعزاء عليه . لذلك قرر الذهاب الى الطبيب المختص , يذهب ويشرح له حالة النسيان , لكن الطبيب يكتشف بأنه مصاب بمرض خطير , فيصف له طبيبا آخراً الذي يبلغه بأنه مصاب بمرضٍ عضال , فتزداد حالته سوءا أكثر , الزهايمر ثم العضال يجتمعان عليه, فبين الموت والزهايمر يعيش الرجل حالة البائس والضعيف وكما يقول المثل الدارج , رِجلُ في القبر ورِجل في الحياة , إنها المصائب التي لاتطاق . يذهب الى البيت فيذق ذرعا به , فيقرر الخروج , يأخذ معطفه وينطلق خارجا , لكنه نسي هذه المرة أنه ترك ضيفا عزيزا عليه كان من المفروض أنْ يأتيه في تلك اللحظات , أنه نسي الموت , وبهذا يكون الزهايمر قد حل مشكلة الرعب الذي أصابه نتيجة التفكير بالموت كل لحظة وثانية , هنا رسالة أراد أنْ يوصلها لنا القاص أنمار بأنه من الإمور العظيمة أنْ ينسى المرء فكرة الموت , كي ينطلق ويعيش اللحظة الأييقورية , يقول مالك حداد عن النسيان (يجب قلب الصفحة , هل فكّرتم في وزن الصفحة التي نقلبها) ؟ .

عادة مايكون الحزن ثانويا لصراع داخلي أو مؤثرات خارجية كفقد عزيزعلى سبيل المثال ,أو خيبة أمل , أو لواعج حب , وهنا لايعتبر مرض الاّ اذا طالت مدته , الأم اذا فقدت وليدها تصاب بالإحباط والكآبة وبعد فترة ستنسى ذلك وتستمر في الحياة , أما إذا طالت المدة فأنها ستكون حالة مرَضية ,أو قد يكون هناك عوامل إنطوائية غير إنبساطية , لكنّ النسيان هو الكفيل بأزالة الكثير من حالات الأكتئاب والحزن مثل حالة بيكاسو في طلاقه المستمر , حتى عاش طفلا عجوزا الى التسعين.هذا الرجل في قصتنا هذه هو واحدُّ من معذبي الأرض الذين تحدث عنهم سارتر , الحياة كلها عبارة عن ألم وصرخات إغاثة منذ الولادة حتى الممات , وخصوصا في بلدان العالم الثالث , إذ أنّ العالم المتحضر إستطاعَ أنْ يبني حياة تستحق أنْ يعيشها المرء بكل تعلاّتها .

 

*قصة... هذا ماحدث في مقبرة.....

التقنية الفنية مهمة في تصوير الحدث, ولذلك القاص أنمار في هذه القصة كان فنيا بارعا في رسم الصورة التي أعطتنا إنطباع يتلائم والأجواء التي تحتويها المقابر, إستطاع أنْ يجعلنا نرى الفارق الكبير بين لقاء عشاق من المفترض أنْ يكون لقاءهم في أماكن رومانسية ينتشي بها العاشقان , وبين لقاءهم في مقبرة مكفهرّة , لاتنز الاّ بالموتى وعفونة أنفاسٍ مخنوقة , مضت عليها أزمنة مختلفة حسب شواهد القبور .

لقاء العشاق يعني دفق الحياة وديمومتها , يعني التناسل والبقاء , يعني أننا سوف نبني بيتنا , سنشّيد حياة زاخرة بالحب , سيكون لنا أطفالاً وننتظرهم على أملٍ يكبرون , نفرح لفرحهم ونبكي لبكائهم , الوصال يعني أننا ماضون على سكة أفراحنا , يعني أننا نكره الحرب والموت, بينما اللقاء الماثل هنا في المقبرة التي يلتقي بها العاشقان يعني شؤم الحياة وغمامتها السوداء وسماءها الشحيحة , يعني أنّ النهاية المحتومة لنا هي تحت أقدامنا و في هذه الأرض التي إبتلعت الكثيرين , يعني أننا على عجالةٍ في السير نحو حتوفنا , يعني أننا نشم حقيقة روائحنا بعد التفسخ , نرى الدود الذي سوف ينخرنا في شقوق المقابر , يعني أننا في ضيق من أمرنا , وهل ضاقت الدنيا كي نلتقي في مقبرة , لكن الرسالة التي يريد إعطاءها لنا القاص أنمار , هي أننا مهما فعلنا لإطالة أمد عمارنا , فأن الموتَ شاخصُّ أمامنا في هذه المقبرة, وبين ذراعينا ونحن نتعانق , وبين رضاب شفاهنا ونحن نتعاطى القبل . إضافة الى كلّ ذلك , هناك نوع من التشاؤم الواقعي في معنى القصة الذي يعطينا من التأويلات الكثيرة التي لاحصر لها , إضافة ًالى ذلك أنّ هؤلاء العشاق تحكمهم أسافلهم ونشوة أجساهم  , بدون الإعتماد على العقل والإرادة , إذ نّ جسم الأنسان ينقسم الى ثلاثة أجزاء وكل جزء له دوره الوظيفي المتعلق بباقي الأجزاء , أي انها تعمل كلها مجتمعة لكي يكون الإنسان سويا أخلاقيا نستطيع أنْ نميزه عن باقي الحيوانات ,وهذه الأجزاء هي الرأس وهو مصدر العقل , ومن ثم الجذع وهو الإرادة , وأخيرا أسفل الجسد وهي التي تمثل الرغبات والشهوات . هؤلاء لم يعرفوا أنّ نشوة الحب لاتدوم ونشوة الجنس أقصر من أنْ يكون لها أثر( نجيب محفوظ) .

 

*قصة...أوراق متناثرة.......

تتناول تجربة مدير مدرسة وشاعر أيضا في نفس الوقت, يعطي ديوانه الى إمرأة إعتبرها فتاة أحلامه , فيجده بعد حين في قصاصات ورق بيع حب عباد الشمس , ثم تأتيه في المرة الثانية الى المدرسة للتسجيل , ويعطيها إستمارة لكي تملؤها , فيكتشف أنها لاتقرأ ولاتكتب , فينذهل وينصعق عند سماعه هذه الكلمات , قصة تعبر عن واقع أمة جاهلة متخلفة , لاتعير أهمية للشاعر والمبدع بقدر ماتعير للتافهين وأصحاب الأموال مثلا . هذه القصةهي قصة هدفية , (القصة القصيرة رصاصة، تصيب الهدف أسرع من أي رواية..... يوسف إدريس) , قصة أشبه بحكاية الشاعر العراقي عبد الأمير الحصيري, الذي رمى ديوانه في الفرات , وقال( هاك أيها الفرات العذب عصارة روحي) , لكن في قصة أوراق متناثرة كان الشاعر غير متعمد في إهمال ورمي عصارة شاعريته وتأريخ إبداعه, بينما ساطع الحصيري كان بوعيه الكامل رغم أنه كان ثملاً وفي حالة من التمرد الذاتي . أضف الى ذلك أنّ القاص أنمار ومن خلال الشاعر الذي ذاق ذرعا من حبيبته الأمية يريد أنْ يوصل رسالة مفادها , مثل تلك الحكمة التي تقول ( لاتحاول أنْ تعلّم الحمار الغناء , لأتك بذلك تهدر وقتك وتزعج الحمار) , ورسالة أخرى هي أننا أمةُّ لاتقرأ , أمةُ جاهلة , تحتاج الى زمنٍ طويل كي تصل الى ركب الدول المتحضرة في الثقافة وفي جميع ميادين الحياة . ولذلك شعوبنا تحتاج الى نهضة ثورية جذرية تنتشله من الفقر والأمية المتفشية في صفوفه , ( التغييرات الثورية في حياة الشعوب هي أشد من الحاجة الى الخبز وأقوى من الظمأ الى الماء ..... مايكوفسكي).

 

*قصة .. الساهر.......

لابدّ أنْ يكون لكاتب القصة القصيرة شاعرية واضحة , كما التي نجدها في هذه القصة الرائعة , كي تسعفه في وصف حالةٍ ما إذا تطلب الأمر. القصة تعبر عن الحزن ولحظات النفس المريضة وساعات الضجر , حيث أنّ رجلاً كاتباً , يسهر في الليالي لغرض الكتابة من باب ( من طلب العُلى , سهر الليالي) , يشعر بالروتين الممل , بينما ساعات المطر الجالبة للحزن تتراءى له من خلف شبابيك المنزل , ويتذكر كيف يصفها السياب في قصيدة المطر , وكيف هي النشوة التي تنتاب الشاعر والطفل ( كنشوة الطفل إذا خاف من القمر ) ,  يتذكر بحسرةٍ وألم بساتين وغابات النخيل السيّابية التي جُرّفت من قبل أسوأ حاكم عرفه التأريخ (صدام حسين) , فيتراءى له حالُ الأطفال و المبدعين العراقيين اليوم وفي منتصف الرعب الناجم من المفخخات والقتل والذبح بالسيف ,ومع الحزن والضياع والوضع السياسي المتأزم الذي لم يشهد الإستقرار طيلة العهود الماضية , ورغم الجوع الذي أصبح كلمة شهيرة في أجمل قصائد السياب ( ما مر عام والعراق ليس فيه جوع ) ,  نجد الكاتب العراقي لايتوانى في إكمال القصيدة ووضعها في مسار النهر الجاري صوب الأبدية .

 

*قصة.. قتلت ُعصفوراً مرتين....... 

 

الإنسان منذ القدم فوضوي لايعرف مالذي يريده , زمانُّ يثور وزمانُّ يهدأ , زمانُّ يُدمّر, وزمانُّ يبني ,  , هو خلطة من الخير والشر , من الشيطنة والملائكة , من البراءة والعدوانية , من الصمت والصراخ , من صانعي الحروب وصانعي السلام ,( أدورُ حول البرج القديم منذ آلاف السنين , لاأعرف إذا كنتُ نسرا أو عاصفة أو أغنية ....ماريا رينيه ريلكة) . هذه القصة تتعلق بأستاذ مدرسة يضرب تلميذه الصغير بعنف , ثم يقوم بطرده خارجاً , فيهرب الطفل مذعورا شاردا في باحة المدرسة , فيندم الإستاذ على فعلته هذه , فيخرج لمراضاة التلميذ ويصرخ وراءه بالعودة ( تعال .. تعال), لكن التلميذ يستمر في الهروب ضناً منه أنّ الأستاذ يريد أنْ يكمل ضربه له , وهناك يقع ما لايحمد عقباه , يصطدم بسيارة مرّت في الشارع , يموت التلميذ , وسط ذهول الأستاذ,الذي ظلّ بعدها في ألمٍ دائميٍ وندمٍ بات يرافقه مع تأنيب الضمير ورنين كلمة تعاااااااااااااااااااااال , ولات ساعة مندمِ . قصة توصف لنا كيف نساهم نحنُ في تدميرأطفالنا الذين يفترض أنْ نقدم لهم كامل الدعم , أنْ نحسّن في تربيتهم , أنْ نسمعهم الموسيقى التي تساهم في عملية تشذيب النفس , حتى ينشأ الطفل النشأة الصحيحة . يقول ديستويفسكي ( إذا سَمحَ العالم بتعذيب طفل فأنا على إستعداد لأن أسحب أعترافي به ) , العالم المتحضر اليوم جعل يوما خاصا لعيد الطفل العالمي , الطفل في هذه البلدان يأتي في المرتبة الأولى في مايقدم له من خدمات وراتب شهري حتى يصل الى عمر الثامنة عشر , أنه المُصان دائما , أنه الملاك حقا , ثم تأتي في المرتبة الثانية المرأة . وحتى الكلاب في البلدان المتحضرة لاتضرب ولاتهان , بل لها الحرية الكاملة وهي تمشي الهوينا في شوارع المدن برفقة سيدها . الطفل نال الحصة الأكبر من الكاتبة الفرنسية من أصل يهودي(جوان كاثلين رولنك) والتي كتبت روايتها الرائعة الشهيرة التي أذهلت العالم حتى اليوم ( هاري بوتر) , الرواية أغلب شخصياتها هم من الأطفال ,  وكانت على سبعة أجزاء من الخيال الإسطوري والفنتازيا , وقد مثلت جميع الأجزاء الى أفلام سينمائية جنت الملايين من الدولارات , واليوم ( ج. ك . رولنك) هي من الأثرياء المعدودين في العالم وقد وصلت ثروتها الى عشرة مليارات دولار من هذه الرواية التي خصصت للأطفال فقط , كتبتها لكي تجعل الطفولة العالمية في أقصى سعادتها , وهاهو العالم اليوم يحتفل بمهرجان هاري بوتر العالمي , تخليدا لهذه الرواية الرائعة ومؤلفتها التي لاتزال في عمر الخمسينيات , فأين هذه الكاتبة الفرنسية من هذا المعلّم في قصة أنمار , المعلم الذي يضرب تلميذه بقسوة ومن ثم يتسبب في قتله ومحوه من سجل الحياة.المعلم من شدة غباءه كان لايتوقع ردود أفعال الطفل ( لايستطيع المرء أنْ يرمي حجرا في الماء ويتوقع إحتجاب حركة الأمواج الدائرية الشكل عن سطح الماء ) . إفلاطون الفيلسوف الذي عاش قبل الميلاد أول من دعى الى إنشاء رياض الأطفال والمدارس المشتركة , كما وأنّ سقراط كان يشبّه الأطفال بالفلاسفة , فأين هذه النظرة قبل الميلادية أتجاه الطفل من هذا المعلّم الذي يتعامل مع تلاميذه بهذه الطريقة العنيفة ونحن نتجاوزالألفية الثانية . حقاً أننا متراجعون عن العالم المتحضر في جميع مفاصل الحياة, أكثر من مائتي سنة على أقل تقدير .

 

ثم ننتقل الى القسم الثاني من القصص الخطيرة جدا .........

*قصة...الفراشة والكاتب..... 

قصة فيها شئ من الفنتازيا , تتحدث عن كاتب كان يقرأ تحت مصباحٍ تدورُ بين ضوءه فراشة,الكاتب يموت ويدفن , ويخرجوه فيجدوا جثتين , فراشة وكاتب, هذا يعني مات السلام الذي يحوم حول الكاتب , ومات الإبداع , ولم تبق غير روح العلاقة الأزلية بين الإبداع الذي لايموت وبين أجنحة السلام الرقيقة التي تطيرُ بهذا الإبداع عبر السموت والسنين , هذا الإبداع الذي يصل الى الشعوب بهيئته المقروءة والذي يعتبر من الأدلة الدامغة لحضارات الشعوب ومراحلها التأريخية المختلفة .

 

* قصة...عودة الكومينداتور .. 

من أثقل مصائب البشرأنْ يحكمهم أسافلهم .فما بالنا إذا ما عاد الدكتاتور السافل مرة أخرى بعد اليقين بأنه إنتهى من غير رجعة , وقد لمسنا ذلك كعراقيين في الفترة المحصورة بين إختفاء صدام حسين و القاء القبض عليه في حفرته كالجرذ . نرى في القصة التي هي عنوان الديوان , هناك تهديد ووعيد من قبل القائد الى تابعيه( الخالق والمخلوق) , مثل وعيد الكومينداتور الى ( الدون جيوفاني) فإذا لم يأتمر بأمره فأنه سوف يلقى العقاب المتمثل في إرجاعه الى الجحيم . لذلك نرى في القصة الكثير من التساؤلات من قبل المخلوق الى خالقه , أو من المتبوع الى قائده , تساؤلات على غرار تساؤل عمر الخيام الشاعر الشهير (إلهي قلْ لي مّنْ خلا من خطيئةٍ / وكيف ترى عاش البرئ من الذنبِ/إذا كنتَ تجزي الذنب مني بمثلهِ/ فما الفرق بيني وبينكَ ياربي) , يعني ماهو الفرق بين الرب القدير والطاغية في مبدأ العقاب والثواب إذا كنا قد عصيناهم ذات مرة. هي قصة محاكاة تعبر عن الشك واليقين كمن يقول ( أنا لاأؤمن بالدين بلحيةٍ أو بدونها , أو بالأله كناظر مدرسة بدون أخطائي وسيئاتي... الكاتب البرتغالي ساراماغو). كما أنّ هذه القصة بسردها الغامض نوعا ما هي دعوة للتحريض لمواجهة الكومينداتور . رأينا في نهاية القصة التي تقول( يمسكُ قلبي محاصراً إياه بقسوة , يحملني على كتفه ويرجع الى الجحيم متجاهلاً صراخي المجنون) ,  لايمكن للعبد الضعيف إذا كان مؤمنا بخالقه أنْ يقف بوجهه , الاّ إذا كان متشككا لامؤمنا بما يقوله الرب أو القائد , فهي دعوة ضد الظلم والطغيان , وضد تكميم الأفواه وخنق الرأي والحرية . الطاغية هو أسوأ أنواع البشر وأشدهم خطورة لأنه يُدمّر روح الأنسان , ولهذا قصة عودة الكومينداتور فيها الإشارة الواضحة الى المخاوف المرعبة من عودة الطاغية مرة أخرى الى مقاليد الحكم , وإذا ما حصلت فهذه هي من سوء حظ الشعب المعني في هذا الشأن .

 

* قصة .... إنظروا الى التلفاز.....

نقرأ في القصةِ هذه , الفارق الكبير في سلوكيات المستويات الإجتماعية وشرائحها , مجموعة إجتماعية تغرق في الفوضى أثناء تشجيعها لمباراة رياضية فيشتد العراك فيما بينها بواسطة الكراسي أو الضرب أو الشتائم والأساليب المختلفة الأخرى للشجار , بينما نحن ُننظرالى التلفاز ونرى الروح الرياضية الشفافة بين اللاّعبين الذين يتبادلون التحايا فيما بينهم . هذا هو نمط السلوك البشري حينما يكون في ذروة التنافس والمضاربات التي تؤدي به أنْ يفقد في لحظة ما كيفية التصرف والتحكم بشكل عقلاني يليق به بكونه من صنف الإنسانية لاصنف الهمجية الباعث للفوضى. أضف الى ذلك أنّ القصة من الممكن تأويلها لكي تعطينا وجهة نظر أخرى عما يبثه التلفاز في بقية البلدان المتحضرة من برامج مختلفة كلها تصب في تثقيف الإنسان في كافة النواحي , بينما التلفاز العربي اليوم لايبث غير صور الرعب والقتل الجماعي والتفخيخ والذبح على الطريقة الداعشية , وكأنّ العرب اليوم لاهم لهم سوى النظر لهذه المشاهد البشعة . فلابدّ من الإستراحةِ, وتغيير موجة الريموت لمعاصرة الزمنِ الراقص وقواريرِ ألوانهِ وأناسهِ المجبولين من وقع الحياة وموسيقاه الروحية , وأقمارهِ اللامعة, بأفخاذ الغوايةِ .

 

 

*قصة.. مرض الإنسانية..... 

يتطرق القاص الى أنّ هناك الكثير من الإختصاصات الطبية لدى الأنسان ومنها,  طبيب القلب , العيون , الكسور , الباطنية , الأعصاب والنفسية , لكننا لم نجد طبيبا مختصا لعلاج مرض الإنسانية المتهرئة اليوم , الإنسانية التي تنعدم في قلوب المجرمين وأولهم الدواعش والبعث , وعنجهية أمريكا والإمبريالية المريضة بداء قتل الإنسانية . الإنسانية يراد لها أنْ تتعلم اللذع , كي تستفيد من الدروس والعبر ,مثل تلك الدراسة البيولوجية على ضفدع أعدّ للسلق , حيث وضِعَ مع غدير ماءه , الذي بدأ يغلي شيئا فشيئا , في بادئ الأمر هو لم يحس بالنار والغليان ولا بتغيير البيئة التدريجية , حتى مات دون أنْ يشعر بأنّ الموت قريبا منه , لكنه لو وضع مباشرة في الماء المغلي , فأنه سيقفز ملذوعا خارج الماء , وهذا هو الفعل المهم الذي سيبقيه على قيد الحياة . فلابد للمرء أنْ يتعلم اللذع كي يستطيع إتخاذ قراره , ليبقى حياً على الأقل . كما وإنّ الإنسان لم يرتقِ الى المستوى المطلوب منذ نداءات نيتشة الكاتب الألماني الشهير وإحتقاره للأنسان الذي يتوجب عليه أنْ يصل الى الإنسان الأعلى أو السوبرمان , حتى اليوم الإنسان غارق في الذاتية و الحروب والعدوانية , ( حلقة الربط بين الحيوان و الإنسان المتحضر هو نحن, هذا يعني أننا تعساء الحظ أو أننا جسر للعبور الى الإنسان المتحضر ..... ساراماغو).

 

* قصة.. البراءة والقلادة 

بوحُّ جميل وقصير, يتحدّث عن الإنسان الذي ينشأ في بيئة تجعل منه ثعلبا ماكرا وعن إنسان آخر ينشأ في غاية النقاء والبراءة وفي نفس البيئة, حيث نجد صديقين أحدهم( ثعلب ماكر) قال لصاحبه ( النقي البرئ) أنْ يدفن قلادته في التراب فسوف تتحول ذهبا في اليوم التالي .. فلما جاء اليها البرئ في اليوم التالي لم يجدها , فظلّ حائرا باكيا أين اختفت , وبعد ستين عام يلوم نفسه على القلادة التي ضيعها ’ أي أنه بقي بريئا الى ذلك اليوم ( فمن شبّ على شئ شابَ عليه) , كما وإنها قصة تعطينا موعظة مفادها , بأنّ هناك من الأصدقاء الكثيرين الذين ينصبون الفخاخ لأصدقائهم , وقد حصلت مع أبطال وثائرين في لحظة ما , ينحرفون عن جادة الصواب  نتيجة إغواء الحياة لهم , كما حصلت في لحظةٍ تأريخية من تأريخ إسكتلندا وزعيمها الثوري ويليام والاس , الذي خانه أحد أصدقاءه , مما أدى ذلك الى إعدامه على يد الطاغية عمّه الملك أنذاك . ويليام والاس يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يصرخ بكلمة ( الحرية) . إنها الحياة وما تحتويه من مفارقات يندى لها جبين الإنسانية.

 

* قصة..البائع المتجول 

نجد أنفسنا في هذا السرد النبيل , بأننا نتمعن في روح الرمزية التي شيأتْ شخصا يقوم ببيع الأوطان في عربةٍ على ناصية الطريق أو مفترقها . حين أوقفَ الغريبُ بائعَ الأوطان المتجول وسأله عن وطن زائد للبيع , (أجابه البائع ببرود : فتشْ في العربة لعلك تحصل على وطن يفي بالحاجة , فتشَ الغريبُ , فوجد وطنا بلاعين وآخر بلا ساق وآخر بلا رأس) . هذا المشهد يذكرنا في الأغنية العراقية الشهيرة للمطرب سعدون جابر ( اللي مضيع وطن وين الوطن يلكاه ....الخ) . أضف الى ذلك تناولت القصة وصف الوطن العراقي بالذات , لأنّ القصة على وجه التحديد تتناول المأساة التي حلّتْ بوطننا الدامي حتى كتابة هذه السطور , حيث أننا نجد في هذا الوطن أكثر نسبة في العالم من ناحية المعوقين , نتيجة التفجيرات والقتل العشوائي الذي لم يحصل له مثيل على مر العصور الغابرة , كما وأنّ هناك مفارقة في القصة حول بيع الأوطان ربما القاص أنمار لم يقصد إثارتها , وهي أننا نرى العراق اليوم يباع في السوق العالمية من قبل زمرة جاهلة , لاتزال مصرّة على أنْ تحكم العراق بأسم الديمقراطية المزيفة التي جاء بها المحتل البغيض, الزمرة هذه تبيع الوطن للمستعمِر وبدون أدنى حياء وما من رادعٍ يردعها .

 

*قصة..دعوني أغرّد

سرد يأتينا من أعالي الباسقات , سرد ينطلق من تغريدةِ بلبلٍ كان يغرّد لأعوام على شجرة في حديقة عامة, حين رجع ذات يوم وجد الحديقة صارت مركزا لبيع أشرطة الأغاني السخيفة, أو الفن الهابط وعرض أجساد المطربات الرخيصات , أو النقيض لهذا كله كما يحصل اليوم من عرض للبكائيات التي أوصلت شعوبنا الى هذا المستوى المتدني من الثقافة الرجعية والبالية التي خلقتْ لنا الطائفية وعداء الإنسان لأخيه الإنسان . ثم تقول القصة (بعد أيام وجدوا البلبل معروضا للبيع في محل للحيوانت المحنطة ),,, هذه تعني أنّ الإنسان اذا لم يزاول حرفته الروحية فأنه سرعان مايذبل وينتهي , وهذا ماحصل للكثير من الفنانين المبدعين الذين إرتكنوا رغما عنهم بسبب المضايقات التي أسكتت أفواههم وأناشيدهم بعد إنْ كانت بلبلاً يغني على هواه وماتشتهي آذانُ المستمعين , قُتلت أغانيهم بسبب نظام الحكم الثيوقراطي البغيض والتقاليد الدينية التي أصبحت بين ليلةٍ وضحاها دستورا يحكم البلاد .

في النهاية أستطيعُ القول أنّ أنمار في مجموعته هذه تطرّق الى الكثير من المتناقضات المتلازمة في في هذا الكون المترامي , والتي تحدّث عنها الفيلسوف الشهير هيراقليطس , على سبيل المثال لا الحصر: إذا لم تصب بمرض لم تعرف الصحة , إذا لم تعرف الجوع لاتعرف الشبع , العلم والجهل , الحب والكره, الموت والحياة , الحرب والسلام , العقاب والثواب ,  بدون هذه اللعبة الإلزامية لانستطيع أنْ نرى للعالم أيّ وجود