سيادة العراق... محنطة |
هناك عدة خيارات أمام العراقيين للتخلص من داعش: الأول، المطالبة بقدوم قوات عربية، والثاني، دعوة قوات إقليمية من تركيا وإيران، والثالث، استدعاء قوات دولية.
بنظرة سريعة يتأكد المتابع من هوية الواقفين وراء الخيارات الثلاثة، فالذين يدعون الى قدوم قوات عربية هم الحالمون بالعمق العربي للعراق، ولايعون حجم المشكلات الداخلية التي تعاني منها غالبية الدول العربية ويتجاهلون أسباب ومبررات عدم إهتمام قادة تلك الدول بما يتعرض له العراق منذ عقود..أما الذين يدعون الى قدوم قوات تركية وإيرانية، فهم المرتبطون بسياسات وأجندات هاتين الدولتين أكثر من إرتباطهم بالواقع العراقي وآلام المواطنين ومأساتهم، ويطالبون بذلك إما عن جهل أو تجاهل، أو إرضاءا لسادتهم ورغبة في المزيد من العطايا والمكرمات. والفئة التي تطالب بقوات أجنبية، في حال الضرورة، هي التي تتخوف من النتائج التي قد تدفع لاندلاع حرب أهلية في البلاد اذا تم إستقدام قوات عربية أو تركية وإيرانية في ظل الشحن الطائفي السائد حاليا في البلاد، وتتخوف من انهيار السلم الاهلي وتريد تفادي سلبيات ولاء السياسيين وكتلهم للدول العربية أو المجاورة والتي ستدخل البلد في مشكلات وأزمات لاتختلف كثيرا عن مشكلة داعش.
بعيدا عن عن أصحاب الخيارات الثلاثة المذكورة هناك فئة تعلن إن العراق لا يحتاج لأي قوة برية من أي دولة، لأنه يمتلك قدرة بشرية على مقاتلة داعش، وهو بحاجة الى تشكيل فرق عسكرية وطنية جديدة تتمتع بالكفاءة والنزاهة والشجاعة، وإلى تسليح ودعم لوجستي وتدريب ومعلومات أمنية وإستخبارية دقيقة، وإقامة تحالفات دولية وعربية وإقليمية بما يحقق مصالحه ويعزز الاستقرار السياسي والأمني.
هذه الفئة لاتتعذر بوجوب عدم المساس بسيادة العراق، لأنها تعلم أن العراق مغلوب على أمره ولايملك زمام الامور في الكثير من المسائل، وأن سيطرة داعش على مساحات واسعة من الاراضي، في محافظات ومدن عدة، خلفت الكثير من التداعيات الخطيرة التي يصعب تجاوزها بسهولة، تداعيات تحولت الى مشكلات وتحديات وأزمات، غيرت مجرى التعامل بين مكونات المجتمع العراقي، وأثرت على معنى ومفهوم السيادة الذي يستغله البعض من الساسة ليوهموا ويخدعوا به بعضا من المواطنين، وليضحكوا به على ذقونهم، حيث يدعون الى إحترام السيادة العراقية وهم يعلمون (أكثر من غيرهم) أن ما جرى في عهد حكومتي المالكي كله خيبات وتنكيس للرؤوس، وهي على يقين أن السيادة في العراق (مخادعة)، لأنها خاضعة لقرارات دولية صدرت قبل أكثر من عشرين عاما ومازالت سارية المفعول، وأن القرار العراقي تابع لنصائح الأصدقاء (التي تأتي في صيغة مشابه بأوامر)، وخاضع للضغوطات الدولية والإقليمية، وترى أن الأزمات التي نعاني منها، عميقة ومعقدة تبدأ بعدم الثقة بين مكونات الاطراف السياسية، وإستشراء الفشل والفساد والمحسوبية والرشوة، وتمر عبر طريق إنتقائي لتطبيق الدستور وفق المصالح، والتقهقر الى الوراء، وتدهور الأوضاع الأمنية، وزيادة نسب الفقر والبطالة، وتزايد الحواضن الموالية للإرهاب على حساب دماء العراقيين وأرواحهم ومستقبل أطفالهم، وعلى حساب فقدان الضمير والغيرة والوطنية، ومساعدة التاريخ ليعيد نفسه بأسوأ أشكاله وألوانه، بأنفاله ومقابره الجماعية، وترى (الفئة العاقلة) أنه لولا الدواعش ومصائبهم وما حدث بعد العاشر من حزيران لكان المالكي مايزال جاثما على قلوب العراقيين حتى الان وربما لولايات رابعة وعاشرة، المالكي الذي يستحق أن يحاكم بألف تهمة وتهمة إحداها الإستماتة في جعل سيادة العراق سيادة محنطة.
|