ليلة الحادي العشر: رحلة الدموع والصبر

حل المساء, ليل موحش, كأنه أعلن الحداد, فغاب قمره, وأختفت نجومه, هدأت الأصوات, فلا يسمع إلا صوت, أنين الثكالى واليتامى, في أرض الطفوف, عقيلة بني هاشم فخر المخدرات (عليها السلام), مهمتها ثقيلة هذه الليلة, فهي تتولى حراسة 82 طفل وطفلة ,من الأيتام والأرامل, وهذا المساء هو الأول, الذي يغيب فيه الأحبة.

أيادي صغيرة, تدفع عن نفسها, ضرب السياط, وأقدام حافية, أكتوت نهاراً برمال الصحراء, بعد أن سلب الأعداء, كل ما عليهم, وحين حل المساء لم يجدوا سقفاً يجتمعون تحته, سوى سماء الباري, فقد أحرق الطغاة خيامهم, بعض الصغار أحترقت أقدامهم, وقسم منهم, سُحقوا حوافر الخيول, وبعض العلويات الصغيرات, أنتزعت أقراطهن بالقوة, وسالت الدماء على وجوههن.

جوع وخوف وتعب, لم يبق سوى, آثار الخيم المحروقة, وطريق طويل ينتظرهم آل بيت النبوة( عليهم السلام), نعم أنه الطريق إلى الشام, أطفال أختفوا تحت جنح الظلام, كل يبحث عن عزيز غاب, أب أو أخ أو عم, أمهات ثكلى, يبحثن عن فلذات الأكباد, وأرامل يبحثن في أرض المعركة, عن الأهل والأحبة, فقد بدأت رحلة اللوعة والفراق, فراحت العقيلة تبحث عنهم, وتجمع شتات العائلة لأنها, وصية أخيها ,سيد الشهداء (عليه السلام).

قد أغمض الأهل عيونهم, ناموا على الصعيد, وتركوا إكمال المهمة على العقيلة (عليها السلام), أوصال مقطعة, أجساد بلا رؤوس, ودماء تغطي رمضاء كربلاء, ورؤوس الأحبة, سترافقهم طوال الطريق, أنى أداروا وجوههم.

خرجت العقيلة مساءا, وجدت جندي يقف أمام باب المخيم, فسألته من تكون, فقال لقد أمرني رئيس الجند بحراستكم, فألتفتت نحو أرض, المعركة ونادت واعباساه, فبعد عين قمر العشيرة ( عليه السلام), يقف الأعداء على باب خيمتها.

أفتقدت فخر المخدرات (عليها السلام), طفلة من الأطفال فسألت الجندي, هل شاهدت طفلة صغيرة, فأجابها لقد سمعت أنينا, قرب جسد الحسين(عليه السلام), فأتجهت نحو أرض المعركة تتعثر بالأجساد, فوجدت الطفلة قرب, سيد الشهداء (عليه السلام), تخاطبه وتطلب منه أن يعيدها الى, المخيم فحملتها العقيلة, وعادت بها إلى المخيم, تلك صورة من صور العذاب, التي مزقت قلب, فخر المخدرات( عليها السلام) ليلة الحادي عشر.

ورغم ذلك كله, ليس لها حتى, حق البكاء أو وداع الأحبة, فبمجرد أن ترفع يدها ملّوحة للأهل لتودعهم ,تنهال عليها السياط, من جميع الجهات, بل أنها سترحل دون أن تدفن أجسادهم, الطواهر الزواكي.

ما أصعبها من ليلة غاب فيها, الأهل وألتحقوا بالرفيق الأعلى, فالحوراء (عليها السلام), غريبة وحيدة ,نعم فقد خرجت من المدينة مكفولة, مصانة بحماية الأخوة, محاطة بالأهل والعشيرة, واليوم ستخرج كفيلة, فهي من سيتكفل ,شؤون الأيتام والأرامل, غداً سترحل مجبرة, دون أن تسلم على ,العباس والحسين والأكبر والقاسم (عليهم السلام), تدرك جيداً أن ,عذرها مقبول لديهم, فهي مجبرة على الرحيل, دون أن تلقي تحية الوداع, نعم أنها مصائب ليلة الوحشة, فقد بدأت رحلة الصبر والدموع.