عن الحب ووصل الحبيب، عن الكأس والساقي في مرثيّة.. كريم راهي |
لغاية السنة التي مُنعت فيها كل مظاهر النواح، كانت ذاكرتي قد ألغمت بالأشعار والنُدب والمراثي، ما حفظتهُ منها وما بقيت ألحانهُ فقط، أدندنُ بها ساعة يكون الحنين لتلكم الليالي حالكة السواد، قد أخذ منّي ما أخذ. كان لحمزة الزغير وجاسم النويني (الطويرجاوي) من تلكم الرواسب، حصّة الأسد. فهذان الرادودان اللذان امتلك كلّ منهما صوتاً لا أظنّ أن تأريخ النياحة سينجب مثيله، كانا يأخذان بتلابيبي كلّما استمعتُ إليهما، إلى منطقةٍ نائية في الذكرى، أسترجعُ فيها روائح المشاعل المختلطة بأصوات الطبول والصنوج والأبواق، وصدى أصوات النادبين والبكّائين التي لا تخلو منها واحدة من ليالي الحزن العشر. لكنّي، وإن كنتُ أحمل في داخلي نائحاً صغيراً، وبسبب من نشأتي في بيئة خصبة بالشعر، كنتُ دون كلّ أقراني، أحاول أن أشبع فضول الشاعر الصغير، الذي سيكتبُ بعدها بأربعين عاماً نوائحه ومراثيه الخاصّة عن كلّ رفاق طفولتهِ الغرقى. في واحدةٍ من جلساتنا أيّام البرد والثلج، وقريباً من نجم القطب، سيكون لي أن أسأل الصديق الفنّان (كوكب حمزة) عن واحدة من أجمل ألحانه، (ابنادم)، التي كتبها الشاعر الراحل (ذياب گزار)، أبو سرحان، فيُجيبني بلا تردّد، أنّه وضع اللحن والتوزيع متأثراً بصوت وأداء (حمزة الزغيّر) بالذات، فلا يأخذني العجب، لأنّ رادوداً بمثل هذا الرجل ضئيل الحجم، ضخم الأثر، لابد وأن يترك أثراً في عطاء كلّ من عاصره، بطريقةٍ أو بأخرى. وفي واحدة من مأثورات هذا الرجل، اكتشفت الشاعر العملاق (عبوّد غفلة)، الذي سأصرّ على أن هذا الأميّ الذي كان يعمل مناولاً لدلاء الماء للبنّائين في النجف، هو الشاعر الشعبيّ الأعظم على الإطلاق. وليس غريباً أنّه سيُشارُ إليه على إنّهُ (أمير الشعراء)، إذا ما دار حديث حول الشعر الفرات أوسطي. لستُ هنا بصدد رواية كيفيّة عثوري على هذه القصيدة الغريبة في معانيها، الجزلة في سباكتها، ولا عن الرادود النجفي سائق التكسي الذي رفض أن يأخذ منّي أجرة بعد أن قرأتُها على مسامعه وأرشدتهُ إليها، لكنّ الغريب أنّ لا أحد سأل النويني، يوم كان يُنشدها، السؤال التقليديّ الذي غالباً ما يُطرح من اللاطمين.. (لمن.. لمن؟) فيُجيب بما سيوفّر عليّ عناء البحث والسؤال لسنوات طوال. القصيدة أكتبها هنا، كما دوّنتها سماعاً، لكنّ لمن يريد الاستزادة، فهي موجودة في الجزء الثاني من ديوان عبّود غفلة، ذي الأجزاء الخمسة. أَرْدَ أحورب وأشن غارات العِتب
|