اعني باعلام الحكومة، خطابها اليومي ذي الصلة بالاحداث والحرب ضد تنظيم داعش والموجه لمختلف الفئات والساحات، وليس الخدمة الاعلامية التي تقدمها شبكة الاعلام العراقية، فلهذه حديث آخر، مستقل، ولايشمل طبعا خُطب وتصريحات رئيس الوزراء، فهي تدخل في باب الخطاب السياسي للكابينة الحكومية الجديدة.. وبمعنى أدق، فان المعالجة هذه تتناول ما يقال عن توجهات اعلامية حكومية جديدة، وما يروّج من بيانات وايضاحات صادرة من المكتب الاعلامي “الجديد” والمواجيز التي تقدمها الجهات الامنية والعسكرية والناطقين عنهما حول آخر مجريات جبهة الحرب. يمكن القول، بدءا، بان الاجراء الاداري بتعيين اثنين جُدد من المتحدثين الاعلاميين في مكتب رئيس الوزراء كان سليما من ناحية كفاءة وسمعة الزميلين رافد جبوري وسعد الحديثي، وأيضا بالاستناد الى تصريحات مبكرة لجبوري تفيد بالعزم على بناء إعلام حكومي مهني، واتباع "طريقة مختلفة" في التواصل مع وسائل الإعلام والإعلاميين، والتخلي عما اسماه بـ "الاعلام التعبوي، المشكوك بنجاحه" والمهم هو قوله بان "العراق بلد كبير ومتنوع، وفيه مستويات اجتماعية متفاوتة وبيئات مختلفة تتطلب التواصل معها". ويشاء المراقب الموضوعي ان يتوقع حدوث تغيير وانعطافة ملموسة في الاداء الاعلامي للحكومة، وفي مكونات الاعلام المسجل كاعلام للدولة، لاتغييرات طفيفة أو نيات في التغيير، فيما يلاحظ بروز اختلاف في تجهيز الصفة الرسمية للناطقـَين، بين كونهما عن رئيس الوزراء، أم عن مجلس الوزراء، لأنه من الطبيعي بان يكون لكل توصيف وظيفي وصفة وإداء وآليات، كما هو معروف، لكن في جواز استباق الحدث يمكن القول ان تغييرا طفيفا حدث مقارنة مع اعلام الكابينة السابقة للحكومة، موضع الشكوى والنقد، شملَ شيئا من ترشيد اللهجة، والمعلومة، ومحاولات بسيطة في تهذيب الخدمة الاعلامية المتوازنة البعيدة عن المخاشنات الفئوية والشخصية (المتوارثة) وتجانس زوايا النظر والتعقيب، مقابل تحسن في ضبط الخطاب الاعلامي الامني والعسكري الذي توارث منقولات المبالغة وانصاف الحقائق واستعراض القوة الخطابية. ويمكن ان يشار، هنا، الى الطريقة الاحترافية والانضباطية التي نقلت الى الرأي العام تصويبا اعلاميا (من المكتب) حول تصريح منسوب لوزير المالية بشأن ميزانية الحشد الشعبي، إذ يتحدث بطريقة تحافظ على هيبة الحكومة وتأكيد التزاماتها ووحدة توجهاتها من دون استطرادات خارج الموضوع، وقبل ذلك، في التعامل مع قضايا الميزانية والنظام الداخلي لمجلس الوزراء وتأشيرات العلاقات مع الاقليم، بين العراق وجيرانه، وكلها التزمت حدا من المهنية والموضوعية. على ان ما تحقق، من تطورات، لايزال في صورة بعيدة جدا عن ايقاعات الاحداث التي يدخل اعلام الحكومة في سباق مع اعلام داعش من جهة والاعلام الموازي، المحلي والاقليمي والعالمي، من جهة ثانية، ومن يتابع المواجيز الاعلامية اليومية للمكتب، من الزاوية المهنية يحبطه الاصرار على تقديم وجه واحد من مجريات الاحداث، الوجه المرضي عنه، الموصول بالانتصارات المسجلة للقوات الحكومية والحشد الشعبي، فيما اعلام العالم يعرض وقائع اخرى سلبية هي من حقائق ما يجري عن الارض، مع وجوب التذكير بان إنكار الهزائم هنا وهناك من شأنه ان يُسقط المصداقية عن اعلام الحكومة، وبالتالي يخفق في ان يكون محاميا ناجحا في الدفاع عن القضية الوطنية الملتهبة، ما يعيد الى الذاكرة قصة القضية والمحامي: فثمة قضية ضعيفة لكن المحامي الذي يرافع عنها ناجح، فكيف إذا ما كانت القضية عادلة مثل قضية حرب العراق على أشنع مشروع للتطرف والارهاب والجريمة؟ ان عالم اليوم يموج بتياراتٍ مختلفة، ومصالح متعارضة ومعقدة، وارتباطات متداخلة، وقد حول الوظيفة الاعلامية الى صناعة خطيرة، وأداة حرب وتغيير وإقناع ما يضع على العاملين فيها لزوم الوعي بكل هذه الحقائق، واستيعاب الاستحقاقات التي تفرضها، بدل الاغتراب عنها. فالارتباط بين هذه الوظيفة والوقائع على الأرض ارتباط موضوعي مثل الارتباط بين المطبخ وحجرة الطعام، فما يقدم على المائدة هو نتاج لعملية الطهي مهما كانت درجة اتقانه، وقسوة مكوناته.. فلننتظر.
" قوة الإرادة بالنسبة للعقل مثلها مثل رجل قوي أعمى يحمل على كتفيه رجلاً كسيحاً يستطيع أن يرى".
آرثر شوبنهاور- فيلسوف الماني
|