اختلف المحللون الأميركان والاوروبيون في الاجابة عن السؤال المثير: ماذا تجد الفتيات الغربيات من "متعة" حين ينخرطن في تنظيمات( داعش) الارهابية ويقاتلن معها في سوريا والعراق؟ وسرعان ما انتقل السؤال الى مطابخ السياسات الستراتيجية بعد ان اكتشفت المجسات الاستخبارية والاعلامية بان عمليات اغواء فتيات غربيات تتزايد باضطراد وتهدد البنية الاخلاقية لهذه المجتمعات، ولم يقلل من خطورة هذا الملف كون غالبية تلك الفتيات من أسر مهاجرة ومتحدرة من دول افريقية (الصومال. غانا. الجزائر..) او اسيوية (الباكستان. الجمهويات الاسيوية السوفيتية سابقا) لكن البعض من الباحثين لاحظوا بان مجموعة من تلك الفتيات كن ناشطات في حركة المساواة العصرية بين الجنسين "الجندر" وانهن اصبن بخيبة أمل من مستقبل هذه الحركة، ومن ايقاعها البطيء الذي اصطدم بجدران الثقافة المحافظة في الكثير من البلدان الصناعية، من جانب، واصبن باضطراب في التاقلم بالمجتمع الصناعي بسبب الضغوط والممارسات القهرية التي تتعرض لها المحجبات منهن،من جانب اخـر. الباحثة والصحفية الألمانية أورسولا روسمان تؤكد ان حركة المساواة، الجندرية اخذت بلباب الفتيات المهاجرات، اول الامر، وتضيف"ان حظر النقاب يفاقم بدفع المسلمات المحجبات أيضا إلى هامش المجتمع الأوروبي، وخاصة في مجال العمل، رغم أنهن يشكلن جـــسرا بين المجتمـــع العــلماني والدينــــي".
المشكلة
في الاشهر الثلاثة الماضية بُثت عدة أشرطة فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر مجاميع مسلحة مشكلة حصرياً من النساء وهن يرتدين البرقع ويتدربن على استعمال السلاح والرشاشات والمدافع والقنابل اليدوية، مراسلة لصحيفة "الفايننشال تايمز" اللندنية في القاهرة كشفت في 29 تشرين الاول/ اكتوبر الماضي عن معابر لما أسمته بـ "القوة الناعمة" من عواصم الغرب الى مستنقع "داعش"، ووضعت تقريرها تحت عنوان مثير: نساء مسلمات في الغرب يصفقن لعمليات قطع الرؤوس ويمجدن الاغتصاب والقيود التي تكافح أخوات لهن في العالم الإسلامي للتحرر منها، واشارت الى ان مئات النساء المسلمات من دول غربية توجهن إلى سوريا للزواج من مسلحي( داعش)، وهن من يشكلن الآن تلك "القوة الناعمة" للتنظيم. هؤلاء النساء وجمهورهن من المعجبات في الغرب يشكلن ما تطلق عليه ساشا هافليسك مدير مركز الحوار الستراتيجي ومركزه لندن وصف "ثقافة جهادية مغشوشة" يساهم الإنترنت في خلقها، وتلفيق مقولة ان النساء في الغرب اخترن نمط الحياة هذا وفضلنه على الحرية التي يتمتعن بها في الغرب، أما الصحفي البريطاني المعروف باتريك كوكبرن، المعلق في الاندبندنت، فقد وقع تحت تأثير الانغمار في التقارير الدعائية التي تبثها(داعش) على الرغم من رصانته وواقعيته المعروفة حين قال ان تنظيم(داعش)على مشارف الانتصار وإفشال الحملة الدولية عليه، وقد رأى "إن المعركة شارفت على نهايتها" . وفي خلفيات هذه الظاهرة كانت الأرقام الرسمية التي نشرت في كانون الاول /ديسمبر 2005، تفيد ان ما معدله 10 نساء يتعرضن كل شهر للاغتصاب في لندن من قبل سائقي سيارات الأجرة غير المرخص لهم. (حسب ما أعلن المستشار الحكومي آنذاك مايك اوبراين.) وان فتيات الوسط المهاجر اكثر عرضة للتعدي والاغواء والاستغفال، والبعض من الجناة الرجال يستغلون حاجة تلك الفتيات للمساعدة المعيشية ليسهل استدراجهن، و لايزال التقرير المثير الذي نشرته منظمة العفو الدولية قبل سبع سنوات موضع جدل ودراسة اذ دخل في مصادر البحث عن احوال النساء الفرنسيات، والمهاجرت على وجه الخصوص، إذ توصل آنذاك الى ان "أمراة واحدة تموت كل اربعة ايام في فرنسا بسبب العنف الجسدي, و أن امرأة واحدة من بين 10 نساء هي ضحية العنف الاسري , مقابل غياب كامل لوسائل الوقاية من هذا العنف. اما المرأة المهاجرة أو المتحدرة من اسرة مهاجرة الآتية من بلدان اوروبا الشرقية و البلقان وافريقيا الشمالية و آسيا، اذ تقع 14 ألف امرأة سنويا في فخ تجارة الرقيق". ويؤكد تقرير عرضته قناة البي بي سي اللندنية اواخر الشهر الماضي زيادة مشاركة النساء في الاعمال المسلحة المتطرفة أخيرا من خلال إنشاء كتائب نسائية ضمن تنظيم (داعش). وظهرت لأول مرة في مدينة الرقة السورية كتائب "الخنساء" و"وأم ريان" وكل واحدة تتألف من نساء تتراوح أعمارهن بين 18 و 25 عاما. ووفقا لتقرير وكالة فرانس برس، نشر لواء الخنساء في شهر آب/ أغسطس مقاتلات في الشوارع عمدن إلى إيقاف النساء المارات وتفتيشهن، ولكن طائرات التحالف الدولي قطعت عليهن متعة "استعراض القوة الناعمة" بعمليات قصف بدت مركزة وكأنها كانت تستهدف نساء بعينهن. وهذا ما كان عليه مصير سمرة وسابينا المراهقتين البوسنيتي الأصل اللتين كانتا تعيشان في النمسا وتتراوح أعمارهما بين 15 و 16 عاما واللتين غادرتا فيينا للانضمام إلى(داعش) جبهة النصرة غير أن سمرة وسابينا ليستا الوحيدتين اللتين اختارتا السير على درب التطرف المسلح بل مثلهما مثل العديد من النساء؛ فسعاد مراح، شقيقة محمد مراح الفرنسي وهو منفذ سلسلة من الهجمات الإرهابية الاجرامية في فرنسا في العام 2012، فضلت أن تلتحق بزوجها وأطفالها في سورية، وفي السياق نفسه نجد فوزية محمد، مواطنة من إسبانيا تبلغ 19 عاما والأميركية شانون مورين كونلي 19 عاما، وسلمى وزهرة هالاني، الشقيقتان التوأم وتحملان الجنسية البريطانية.
جذور
موقف المجتمعات الصناعية من المرأة يشمل الكثير من التناقضات، ولم تستطع التشريعات الخاصة بالحقوق والمساواة ان تطوي تلك الثقافة المشينة التي اطلقها فيلسوف المانيا الشهير فريدريك نيتشه من خلال كتابه "هكذا تكلم زرادشت" بترويج فكرة القوة والتسلط، وتضمن القول بان المرأة مسيئة في العمق أو "لا ينبغي الحديث عن النساء إلاّ إلى الرجال" و " النساء موضوع رجالي وليس مشكلا نسويّا"و "أنّ الرجل وسيلة بالنسبة إلى المرأة؛ وهدفها دوما هو الطفل" و"انّ على الرجل أن يحذر من المرأة إذا أحبّت وإذا كرهت" بل وكان يقول ((إذا ذهبت إلى النساء لا تنس السوط)) وثمة نص لافت على لسان زرادشت يقول فيه نيتشه "من هو الرجل الذي تحقد عليه المرأة أكثر من غيره؟ - هكذا خاطب الحديد المغناطيس: إنّني أحقد عليك أكثر من أيّ شيء لأنّك تجذب، لكن ليس لديك ما يكفي من الطاقة كي تجعلني لا أنفصل عنك". ويستخدم بعض المعلقين والباحثين موضوعات نيتشة عن المرأة مرجعا لتحليل التعقيدات التي تظهر على سلوك النساء في المجتمعات الصناعية، غير ان الحركات النسائية المناهضة للعنف والحرب واعمال التجييش تحذر من هذا الاستهداف للمرأة وترى المديرة العامة لقسم حقوق النساء في الامم المتحدة "بومزيلي ملامبو نوكا" إن "وباء العنف والقمع يهدد حقوق الإنسان للنساء، ولا مفر من تصويب النظرة الى دورهن في صنع سلام العالم". وهنا لا يكفي القول بان وصفة نيتشة للنساء عفا عليها الزمن، فان الواقع يكشف عن ان هذه الوصفة تحتفظ مكانا في العقول، ويهرع لها كل من لا يجد تفسيرا للظاهرات الغريبة التي تعصف بالمجتمعات الصناعية، ومؤخرا طرح على طاولة البحث السؤال التالي الموصول بانحراف نساء الى العنف المسلح الى جانب (داعش) ومنظمات الجريمة باسم الجهاد: هل هذه الكراهية التي تتعامل بها هذه المجاميع النسوية "المجاهدة" هي رد فعل على كراهية محلية؟ والسؤال التفصيلي هو: لماذا تفرّغ هؤلاء النسوة شحنة كراهيتهن ضد سكان آمنين في العراق وسوريا، وبينهم نساء واطفال؟. ففي الدراسات السيكولوجية التقليدية يقال ان المرأة حين تجد مجالها الخاص في العمل والاسرة والحب فهي سوف تضحّي بكل شيء، ولن تجد وقتا أو مجالا لكره أحد، وذلك يعني أنّ الكره هو في صمته حبّ محروم من التضحية، فيتحوّل إلى تدمير للنفس والآخرين، وهذا ما يمكن الاستدلال به الى حالة الانتحاريات اللاتي يقتلن انفسهن، وهن في سورة من الكراهية للنفس والاخرين، بحسب التحليلات المعاصرة للظاهرة.
|