عندما أغارت عصابات داعش على العراق واحتلت مدينة الموصل، ثاني اكبر مدن العراق، وبذلك الزخم المثير، والطريقة الدرامية، راهن كثيرون على المعادلة التي ستحققها على صعيد مستقبل التغيير على مستوى العراق والمنطقة، وعلقوا الامل على اعادة تناسب القوى في العملية السياسية ،وفتح ملف هوية الحكم والعلاقات بين المكونين الطائفيين، وكان المراهنون يتوزعون على دول وفئات وزعامات على حد سواء. الولايات المتحدة، مثلا، رأت في داعش عامل ضغط على اصحاب الحكم لاعادة ترتيبات الشراكة الطائفية إذ كانت تسعى الى تحقيق ذلك بالدبلوماسية والاتصالات الجانبية والضغوط الاقتصادية والتهرب من الالتزامات والتسريبات الاعلامية، وقد انتهت كل تلك المحاولات الى الفشل قبل تدخل داعش على المعادلة، حيث تابع المراقبون حالة التفرج والتجاهل وعدم المبالاة للادارة الأميركية، حتى إقدام الغزاة على ذبح المراسلين الغربيين. بعض القوى العشائرية النافذة، ومقامات دينية في غرب العراق تطلعت الى توظيف التمرد في الحصول على نوع من الحماية وكسر شوكة حكم بغداد، كما راهنت فئات اخرى على استخدام ورقة داعش لتحسين شروط المشاركة بالحكم، وذهب البعض منها الى تسويق وهم تحول مناطق داعش الى دويلة الامر الواقع وقد يدفع ذلك، حسبها، الى تغييرات في الالتزامات في اطار الدولة العراقية، فيما ثملت بعض الاصوات المحسوبة على مركز الحكم بانباء التنكيلات التي مارسها قطعان داعش ضد سكان المدن التي اجتاحوها وسمعنا القول: “نارهم تاكل حطبهم”. وهكذا امتدت الرهانات الى الدول الاقليمية التي سرعان ما دخلت في اعادة الحسابات والخطط والتصورات، وبدا واضحا ان جميع الجهات تنظر الى التطور العراقي الجديد كفرصة اضافية لتوسيع النفوذ، من جانب، ودعم معسكرها الطائفي ومصالحها الاستراتيجية في العراق، وعلى العموم لم يحصل ان اعلنت جهة اقليمية استعدادا مبكرا لقطع الطريق على مشروع داعش الارهابي، بل ان تركيا دخلت، علنا، في صفقة مع غزاة الموصل لجهة اطلاق سراح العشرات من رعاياها ودبلوماسييها، ولم تزل التزامات الصفقة قائمة على الرغم من كل ما حدث. وإذ انقلبت داعش على شركائها في القاعدة (جبهة النصرة..) ثم على حلفائها المحليين (البعث. النقشبندية. الضاري. ثوار العشائر..الخ) واقصتهم جميعا عن طريقها واحدا بعد الاخر، ونكلت ببعضهم، فانها وفرت الوقت على المراهنين جميعا ليسارعوا الى اعادة الحسابات والمواقف، على مضض، وبنسب متفاوتة، قبل ان تصل طلائع الغزاة الى اسرتهم.. وتقبض عليهم بملابس النوم.
“ لا يكون الانسان حرا إلا عندما يود أن يكون”. فولتير
|