العراق.. عدة أنفاق مظلمة.. ومخرج واحد
العراق، منذ تأسيسه وحتى الان، كيان خليط غير متجانس، مكون من قوميات وأديان ومذاهب متعددة، يعاني من المآزق والمشكلات، وشهد في مراحل عديدة من عمره التسييس الجماهيري على أساس الهويات والمذاهب، والعسكرة على أساس القوميات أو الأحزاب. وعاش الجميع فيه لعقود متعددة على وقع حملات تضليلية عن الوفاق السني الشيعي، والتعايش الكوردي العربي، ولكن مع ذلك فإن حوادث القتل والنهب والسلب والتهجير والتعريب والتبعيث والأنفال، كلها لم تستطع أن تفضح واقع الكراهية العربية للكورد، قدر حادثة مقتل صحفي عربي على ضابط كوردي في الجيش العراقي، عندما صاح مختار العصر قائلا: أنا ولي الدم، وهكذا الحال بالنسبة لمشروع الكسب السياسي الذي نادى بقتل سبعة من السنة مقابل سبعة من الشيعة، أما من يريد أن يتحدث عن حملة البيانات والاستنكارات والتنديدات، فكانت جميعها قصيرة العمر، لأن الغالبية عادت إلى سابق عهدها في تكريس الخطاب المتطرف، والكراهية المتبادلة، والواقع اليومي مليء بحملات الكراهية، أسس ويؤسس لها أناس يتشابهون في الأفكار والأقوال والأفعال، ويشحنون الموالين لهم بأفكارهم السامة.
الحكومات التي تولت السلطة في الكيان العراقي (بين عامي 1921 و2003)، إبتداء من ملكها المستورد من الحجاز، وإنتهاء بطاغية العصر،غالبيتها كانت ضيقة الأفق تعمل من أجل تفكيك الأسس الأولية التي يمكن أن تبنى عليها الدولة، بدلاً من جمعها، ودخلت في متاهات ودهاليز عدة .
أما الحكومات المتعاقبة على الحكم في بغداد بعد 2003  فقد فشلت في إدارة البلاد من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية، لكنها برعت في مفاقمة الطائفية، وفي عهد حكومتي المالكي شهدت البلاد بسبب الازمة السياسية وحالة التشظي، العديد من الانهيارات والإخفاقات، وكانت سبباً لإنتشار التشدد والفساد ونهب الموازنات والمدخرات، وممارساتها جعلت الأهالي في المناطق السنية يشعرون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، ويقبلون بآسيس (داعش) بديلا عن القوات الحكومية، وفي كوردستان، فكر الكورستاني في الانفصال عن الكيان العراقي بدلا عن الاندماج فيه منذ أن شكل المالكي قيادة عمليات دجلة وجلب جيشه (الباسل) الى جنوب كركوك على أمل دخولها وطرد البيشمركه والاسايش منها، وتهديده الصريح للكورد أثناء إجتماع مع قادة عسكريين حين قال: ( إنتظروا حتى حصولنا على طائرات إف 16، عندها تشاهدون ماذا أفعل بالكورد)، فضلا عن قطع موازنة الاقليم  ورواتب الموظفين من الموازنة الاتحادية، والعشرات من التصرفات الاستفزازية الاخرى، أما الشيعة الذين عانوا من التهميش والقتل والإعتقال والإضطهاد طوال الفترة المحصورة بين (1921 و2003) وربما قبل ذلك بقرون، فلم يكن حالهم أحسن بكثير من حال السنة والكورد في السنوات العجاف من حكم المالكي.
ومن يريد اليوم متابعة ما جرى وما يجري، يصاب بالإنهاك، ولكنه يتوصل الى نتيجة وحقيقة واحدة مفادها أن المشكلة الأساسية التي أفضت إلى كل هذه التبعات والمعضلات والمآسي، تعود الى أن الكيان المسمى بالعراق مبني على أساس خاطئ، وأن هناك نقطة ضوء واحدة تؤدي اليها كل الأنفاق والمتاهات وهي التقسيم، وبغيره  يظل الجميع منغمسين في بحر المشكلات التي تأتي من كل حدب وصوب