صناعة الكتب في العراق

قد يستغرب أحدٌ سائلاً ماهذا العنوان؟ والجواب أن كل شيء فيه حرفية وإبداع هو صناعة. وأعتقد أن الكتاب بكل ما فيه هو إبداع وحرفية ربما يزيدان أو ينقصان حسب مؤلف الكتاب والموضوع الذي يتناوله ,إضافة إلى دار النشر التي تسهم إسهاماً عظيماً في صناعة الكتاب لإخراجه بمستوًى يليق بمادته التي يتناولها ,فضلاًعن سياسة التوزيع التي تنتهجهاهذه الدار أو تلك للترويج له لتحقيق أعلى مستوى منشود من المبيعات.عندنا في العراق في الفترة المنصرمة كانت هذه الصناعة مقتصرة نوعاً ما على المؤسسات الحكومية مثل (دار الشؤون الثقافية العامة) ،و(دار المأمون) ،و(بيت الحكمة) ،وهي كلها مؤسسات عريقة لها تأريخها في صناعةالكتب , إضافة إلى أن أسعارَ نتاجاتها من الكتب منخفضٌ قياساً للكتب التجارية كونها مدعومة من قبل الدولة. غير أن ما تُؤاخَذُ عليه هو سياسة وتوجه النشر فيها كان موازياً لسياسية وتوجه الحكومة في تلك الفترة ,مما جعل منها أداة تعبوية لأغراض سياسية ليس غير.
أما القلة القليلة من المطابع الأهلية والتي غالباً ما كانت تتواجد في بغداد تطبع الكتب بمواصفات فنية بسيطة - خصوصاً في فترة الحصار الاقتصادي الذي امتد منذ عام 1990م حتى عام 2003م - حيث أثر على توفر المواد الأولية الداخلة في صناعة وطبع الكتب،مع خضوعها لرقابة صارمة على كل ما تطبع.أما في أيامنا هذه فصناعة الكتب في العراق تشهد ازدهاراً كبيراً ,خصوصاً مع الانفتاح الفكري والسياسي اللذين تليا مرحلة التغيير في الخارطة السياسية والحكومية للبلاد بعد عام 2003م ,لكن بالمقابل هناك قلة في القراءة لأسباب كثيرة ,نذكر منها باقتضاب على سبيل المثال لا الحصر: أهمها ثورةالاتصالات والتطور التكنلوجي اللذان أوجدا البدائل عن القراءة مما أثر سلباً على المطبوع الورقي ,هذا من جانب أما من الجانب الآخر هو رداءة مضمون بعض الكتب وعدم استحقاقها القراءة وذلك لغياب لجنة الرقيب ــ التي تقيم الكتاب الصالح من الطالح ــ والتي تتألف من عدة أشخاص كالمقوم اللغوي والعلمي في مجال بحث الكتاب.إذ تكون مهمتهما قراءة النتاجات للمؤلفين لكي يقوموا بتقييمها, وهذا طبقاً لما هو متبع في جميع دور النشر المعتبرة في العالم ،وأصبح متاحالأغلب المؤلفين إمكانية طبع كتبهم خارج العراق لجودة الطباعة ،ورخص تكاليفها قياساً للطبع التجاري داخل العراق ,أي أصبحت المسألة تجارية فقط فالبعض من المؤلفين المغمورين هم من يدفعون لدار النشر قيمة طبع كتبهم,إذ المهم عندهم أنه أصبحت لديهم كتب مطبوعة أسماؤهم على أغلفتها,للتباهي والمفاخرة.وفي هذا الأمر تأثير سلبي على صناعة الكتب في العراق ,على حساب النوعية ،والجودة ،والمضمون. المطلوب الآن من وزارة الثقافة العراقية أن تقوم إضافة لجميع المديريات التابعة لها بتفعيل دورها الرقابي في متابعة جميع ما ينشر ويطبع من كتب ,وهذا لايعني تقييد الحريات وتكميم الأفواه إطلاقاً ،إنما لخلق منظومة معرفية رصينة للنتاجات الفكرية والمعرفية للمبدع العراقي ,مع تفعيل قانون حقوق الملكية الفكرية الذي يضمن حق المؤلفين بنتاجهم وعدم استغلاله من قبل المتاجرين.