بغداد- الرياض.. والتطبيع

زيارة الرئيس فؤاد معصوم الى المملكة العربية السعودية، ونتائجها التي تلخصت في تدوير اشارات التوتر والاتهامات المتبادلة، اعطت الفرصة للكثيرين لإبداء وجهات النظر في ملف علاقات العراق بجيرانه، إنطلاقا من حقيقة ان الطريق بين بغداد والرياض هو من اكثر الطرق وعورة، وان اختراقه بنجاح يعني اشياء كثيرة، اهمها انه يفتح الافاق مع دول اخرى.
وبمعنى آخر، ان هذه الزيارة وما تمخض عنها من خطوات وتصورات عملية نحو تطبيع العلاقات بين البلدين، تطرح على الطاولة فروض اعادة تطبيع منظوراتنا الى العلاقات مع الدول المجاورة، قدما الى تصويب العلاقات مع الدول الاخرى، وذلك عبر الاعتراف بالشوائب والكيفيات وردود الافعال التي حكمت تعاملنا حيال المشاكل التي افرزتها الاحداث العاصفة في العراق والمنطقة، ليس من زاوية تعيين الحق والباطل في ما حدث، أو من هو على حق ومن هو على باطل، بل من زاوية ان الحق والباطل نسبيان، وان اجواء التواصل والانفتاح وتجنب ردود الافعال من شأنه ان يقلل من هواجس الريبة المتبادلة، ويدفع الى البحث عن بدائل لسياسات التجييش والتحريض والملامة طالما ان للجغرافيا احكام اعتراضية يعرفها الجميع، وللتاريخ بصمات لا تمحوها، او تكرسها، الرغبات وحدها.
وغير هذا وذاك، فانه من باب الوهم، الاعتقاد بان ملف التوتر والتجاذب بين البلدين طوي الى الابد، لأن مثل هذا الاعتقاد سيصطدم بحجارة كثيرة يلقي بها على الطريق مناهضون لتطبيع العلاقات بين العراق والسعودية، أخذا بالاعتبار بان المنطقة تمر باكثر مراحلها التاريخية اضطرابا، وتفتتا، وتدنٍ في روابط الشراكة الامنية والاقتصادية والاجتماعية، والبديل هو بناء مصدات واحترازات بمواجهة استحقاقات الظروف الاقليمية القائمة والتي قد تشهدها في المستقبل.
وفي اساس هذه المعاينة، ينبعي تنمية الاستعداد لتقبل حقيقة وجود خلافات وتمايزات في السياسة والشؤون الداخلية والعقائد واشكال النظم بين البلدين، وفي اطار التحالفات والمحاورة التي تتحركان منها وفيها، وأن لديهما ارث من الحساسيات والظنون لا يمكن ازاحتها بسهولة، عدا عن وجود ملفات حساسة لا تزال قيد التجاذب والاخذ والرد، لكن في كل الاحوال، ثمة قاعدة ينبغي حمايتها من العبث، هي، ان الحوار والتفاوض البناء، والتواصل، وتجنب ردود الافعال ولعبة التسريبات الاعلامية، هو الطريق السليم لمعافاة وتطبيع العلاقات بين البلدين، وتجنيبهما التوترات والقطيعة.. كما تجنبهما ضغوط المحاور.


“الأفعال الفاضلة تسر من يحب الفضيلة”.
أرسطو