كلمة خالدة لسيد الشهداء، نحفظها، ونرددها في مثل هذه الأيام لتأكيد منهجية الثورة الحسينية، لكن هل إستطعنا أن نستوعب الفكرة التي ضحى من أجلها الحسين، عليه السلام، وهي الإصلاح في دين جده، صلى الله عليه وآله، أم ترانا تدرعنا بها لتحقيق أغراض دنيوية رخيصة، خالفنا فيها دعوة الحسين، من خلال إصطناع طقوس ماكان ليرضى بها، فضلاً على أن يحث عليها. لقد غيّب دين جده، بإبتداع ممارسات لم تكن موجودة أصلاً عند الإئمة، عليهم السلام، بل كانت من الأمور التي نهوا عنها، لكن أخذنا تأصيلات لها، من بعض " الرواديد"، و " الروضخانية"، أو " الروزخانية"، كما هو شائع، حتى أصبحت من أعظم القربات الى الله، والأدهى من ذلك، أن هذه الطقوس الدخيلة على الإسلام، ومنهج الإئمة ، عليهم السلام، أباحت الكثير من المحرمات، فيما تحولت قضية الحسين الى محاولة فرض هوية على حساب الهويات الأخرى ، وإستفزاز أخوة الوطن، من خلال الأعلام والصور والقراءات في المناطق التي يسكنها مكون آخر من مكونات العراق. لا أحد يعترض على أية شعيرة يؤمن بها، ويمارسها ضمن حريته الشخصية، لكن من دون مصادرة حرية الآخر، أو محاولة إجباره على قبول مايجري كأمر واقع، تتعطل بسببه أعمال الناس، نتيجة قطع الطرقات، وفرض إجراءات أمنية صارمة، فضلاً على إشغال الشارع بفعاليات تسيء الى مذهب أهل البيت. وإذا سلمنا بأن هذه الممارسات من شعائر الله، وهي من تقوى القلوب، فإننا لاينبغي أن نلزم الآخرين بها، أو نتخذها وسيلة للتحريش بالآخر، لغرض إثارته، ربما، أو التنكيل به في أحيان كثيرة. الغريب أيضاً، أن تجد المؤسسات الحكومية تصطبخ، بلون المناسبة، فيما تشاهد أعلامها ترفرف عند السيطرات، وسيارات الجيش والشرطة، ولاشك في أن هذه المظاهر تخالف نظام الدولة ودستورها، كما يتدخل بعض المسؤولين حتى في ملابس الموظفين المنتسبين الى دائرته، في وقت يشهد الشارع من يراقب ويحاسب من يلبس زياً غير الزي المتعارف عليه في عاشوراء، إمتداداً الى أربعينية الإمام الحسين، عليه السلام،. والمثير للأسى فعلاً، أن الحشود الحريصة على إحياء ذكرى إستشهاد أبا الأحرار، غير ملتزمة دينياً فيما أفترضه الله على المسلمين من عبادات، وكأن هذه الطقوس المستحدثة ستعوضها عن الصلاة والصوم والزكاة والحج، إضافة الى أنها ستكون سبباً لمحو الذنوب والمنكرات والخطايا التي ترتكب طوال العام. ومن أشنع الشعارات التي ترفع في هذه المناسبة، الدعوة الى الثأر، وهي من الخطورة بمكان، في ظل التأجيج الطائفي الذي تشهده البلاد. ومن هنا، حرياً بحكومة السيد العبادي، أن توجه مؤسساتها، ولاسيما العسكرية منها والأمنية، أن تكون مستقلة عن أية هوية أخرى غير الهوية الوطنية، والحفاظ على الشارع كعنوان عام ، ليس لأحد فيه حق الهيمنة على شكله ومضمونه. دعونا نستلهم من ذكرى إستشهاد إبي عبدالله، معنى الإصلاح، الذي ضيعناه نتيجة إبتعادنا عن دين جده رسول الله، صلى الله عليه وآله، واتخذنا مع الأسف رؤساً جهالاً ضلوا وأضلوا.
|