يوم بغداد


السلام عليك يا عروسة العرائس , بغداد يا عروس الدنيا .. بغداد أيتها العاشقة المعشوقة المستحمة في مياه دجلة المنسابة .. بغداد يا شهقة المحبين .. ويا حلم الحالمين .. ويا وسادة المتعبين .. بغداد يا حاضرة العالم كله , يا أنشودة على فم الزمن , يا ملحمة ألف ليلة وليلة , ضفائرك الشقراء قد تراكم عليها الغبار والركام , والأيام تنطوي, وغبار الزمن يلاحقك كما يلاحق الظل صاحبه , أتصدقين أن قلبي ينفطر , وعيوني حرى تذرف دموع الأسى وأنا أشاهد غبار الإرهاب الأسود يوشحك , وأيدي الحرامية تلاحقك بكل همجية وقسوة , وأيدي السفلة غطت حدائقك الغناء , ولطخت أيدي السراق أبنيتك الشماء , فيا محبوبة الجميع لا من مصدات تصد عنك التراب وزحف السراق والحرامية واللصوص والسفلة , ولا بساتين تحوطك من النفعين والوصوليين والأنانيين الذين افترسوا أموالك وثرواتك وخيراتك كما يفترس الجراد الحدائق الخضراء . بغداد نرنو إليك بعيون كسيرة غارقة بالدموع والآهات , ولكن ما العمل ..؟؟ ليس بأيدينا حيلة , بان نجعلك كعبة الدنيا ومنارة الوجود , ليس بأيدينا حيلة بان نحيلك إلى جنة غناء , اعذرينا يا بغداد فنحن أسرى بأيدي الضياع وأموالنا تصرف على المؤتمرات والمهرجانات والايفادات التي أنفقت عليها ما يكفي لألف حزام اخضر يطوقك ويصد التراب الغابر عنك , بغداد نحن مخدرون في دهاليز العتمة والظلام .. ما العمل ..؟ وكلنا نعيش في لوعة ومعاناة ولهب . بغداد أن الذي يقشع عنا ضباب الآلام , ويمزق عنا غشاوة الأوهام , هو عندما نغرق بالانبهار كلما نديم الأنظار إلى منائر الكاظمية التي تعانق السماء , وتبعث في النفوس أمواج الغبطة والصفاء . بغداد أن كوابيس التعاسة والألم تنجلي عن قلوبنا كلما اقتربنا من الأعظمية حيث مرقد أبي حنيفة الذي يبعث في النفوس السكينة والاطمئنان .. وتفتح أمامنا بوابات الفرح والمرح والأنس والمؤانسة عندما نتجول في شارع أبي نؤاس البهيج بالحب والعشق , وبعضنا يتأبط ذراع حبيبته أو عشيقته فينسى العالم عندما يتم العناق الصادق على ضفاف نهر دجلة الخير الذي يكتنز رصيدا هائلا من ذكريات الأحبة ووشوشة المحبين الممتزجة بوششة الماء المنساب كانسياب شعر حبيبتي الأسود على كتفي المتعب .. فما أحلاك وما أجملك وما أسعدني بك يا درة كل العراقيين , ويا قبلة الناظرين , ويا موئل الأحرار ويا منطلق الثوار , يا من اسمك مطبوع في كل مكان , ويا من قصصك مقروءة في كل الأزمان ... بغداد إن ليلك لا يشبه ليالي العالم , فليلك وان ازداد سوادا , ففي جوفه أنوار وأنوار وضياء وضياء , لأنك نورت العالم في قرون وقرون . بغداد بالرغم من فواجعك وبالرغم من أزماتك وبالرغم من تكالب الإرهاب والقتلة و السراق عليك فما تزالين واقفة على قدميك وبشموخ وعلياء يوازي الشمس .. فلا تموت الحياة في عروقك , ولا يجف الماء في أوصالك , ولا تنطفيء شموس مستقبلك , ولا تذوي أزهار حدائقك . فسلام عليك يا حديقة العاشقين ويابستان المغرمين . بغداد إننا نغني حبورا وسرورا في شارع السعدون الذي يسعد نفوسنا رغم كآبته التي صنعتها المقادير .. وان قلوبنا تورق بالإيمان والأماني والاطمئنان عندما نتعبد في جوامعك المخلدات ... ولا ولن أنسى أو أتناسى الكرادة الغافية على نهرها الحالم . بغداد إننا نسبح في التأمل عندما ندير النظر إلى كهرمانة ونستمد منها رحيق الحب , وعبير الإخلاص وحفظ الأمانة والصيانة .. بغداد أن سعادة أطفالنا تتزايد عندما نتجول في حدائق الزوراء ولو في الشهر مرة واحدة , وتتضاعف بهجتنا ومرحنا عندما نتجول في شارع المباهج والعمران شارع المنصور العامر بجمالية الإبداع , وان الذكريات الخوالد مزروعة في الحارثية . بغداد تقف على عرش قلبي ذكرى ممزوجة بدمي وتنبض مع نبضات قلبي وتشتعل كلما اشتعلت أضواء شارع الربيعي . بغداد إننا نستعيد التاريخ في شارع الرشيد ونقرأ على حيطانه ملاحم المتنبي والزهاوي والجواهري وكل العباقرة, الذين تركوا أثارهم معلقة على سعف النخيل , وعلى أغصان الأشجار, وعلى الورود والزهور, ونشرب من تراثهم الممتع فنسكر ونغفو ونحلم , ونظل ظامئين إلى كل ما هو جديد وبديع وجميل ... فكل ما فيك يا بغداد حلو وشيق وكل حديث عنك عذب وريق