أتذكر أن جدتي كانت تؤنبني كثيراً لأنني أتناول طعامي بيدي "الشمال"، وكانت تحاول إقناعي أن الشيطان يؤكل معي وأنني سأدخل النار، وقد حاولت مراراً أن كون من أهل اليمين ففشلت لصعوبة استخدام اليد اليمني في الأكل واستسلمت لحقيقة أنني من أهل النار. لا اعرف ما علاقة جدتي ببراءة ألذمه، فهي فلاحه بسيطه هُجرت من قريتنا زكريا وثقافتها مقتصره على الاهتمام بالدجاج بهدف الحصول على بعض البيض الذي لم يسلم منا، حيث كنا ننتظر الدجاجه حتى تبيض لننقض على ألبيضه ونستمتع بتناولها وهذا هو حالنا مع حكومتنا. أتذكر تلك الأيام ببعض الحنين، واجزم أن جدتي كانت تعرف أنني واحد من الذين كانوا يسرقون البيض ولكنها كانت تمرر لنا هفواتنا لتعاطفها مع أحفادها الحفاة الجوعي، وكانت قد يئست من محاولتها بإقناعي أن أكل بيدي اليمين، وأنا بصراحه لم يكن يهمني بأي يد أكل نظراً لاستمتاعي بتناول رأس الدجاج "العتاقي". للشتاء وجدتي طعم لا زال مذاقه يدفعني للحنين لتلك الأيام الصعبة بالرغم من الفقر المدقع الذي عشته كباقي أبناء جيلي، وأحاول وأنا استحضر جدتي أن اشطب من ذاكرتي الكثير من الذكريات التي اكرهها مثل الحمام الجماعي في الحاره وعتمة المخيم حيث لا كهرباء ولا ماء. ماتت جدتي وبقي المخيم والشتاء والدجاجة وحكايات قريتنا، ولم أكن في تلك الأيام بتفكيري الطفو لي قد فهمت معادله الدجاجة والجدة، وكنت اعتقد أنني أحقق انجازاً عندما تكون البيضة بين يدي، ولم أدرك أن العلا قه بيني وبين الدجاجة والبيضة ذات طابع جدلي، وأنهم حولوا المخيم "لمزرعة دجاج" يبيض لهم العمالة السوداء والفدائيين. نعم: نحن من وجهه نظر أصحاب الطرابيش مجرد" مزرعة دجاج" وجدت لخدمتهم، والرفض يعني السكين، وسكين أصحاب الطرابيش غارقة في الديماغوجا التي ترتدي الزي الوطني، مرة يقولون لك المصلحة الوطنية العليا، وأخرى يتمترسون خلف القانون، وآخر الصيحات براءة ألذمه. الله يرحم أيامك يا جدتي ويرحم أيام دجاجاتك، لم تكترثي يوماً سوى لتوفير قوت يومك ويومنا، وكان بالنسبة لك توفير ما يسد الرمق بمثابة الحرب التي تخوضيها كل صباح، لم يعرف قاموسك المصطلحات ألاقتصاديه التي تتحدث عن علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج ودعه يعمل دعه يمر ولا ثقافة اللعب بالبيضة والحجر، وكنت تطبقي مفهوم العدالة الاجتماعية كوسيلة لصيرورة الحياة الصعبة، ولم تلقي بالاً للقطاع الخاص ولم تستفيدي يوماً من القطاع العام، وكانت الحياة بالنسبة لك أيام بتمر لعل وعسى أن ينصفك الله على ما عانيت ومثيلاتك من اللاجئات اللواتي دفعن ثمن العهر العربي وأصحاب الطرابيش. في المخيم يستوطن الشتاء الروح الفاقدة لهويتها، وغياب ألهويه بالقطع يعني فقدان البوصلة، يختلف المختلفون وتتبخر الهويه ويسقط الماضي في الهاويه لتنقض علينا المفاهيم ألمستحدثه، تلك نتيجة طبيعيه لغياب الهويه حيث تكالب المصالح وتقاطعها من لا زال يتعامل معنا "كمزرعة دجاج" وعلى أكثر تقدير مواطنين من الدرجة العاشرة لا حقوق لهم، وغياب ألهويه والحقوق فتح الباب واسعاً أمام حكومة التكنوقراط التي يقودها الحمد الله لإعلان التحالف صراحة مع رأس المال. إن سبب المتاهه التي نعيش فقداننا لهويتنا وقبولنا التعامل معنا كتجمعات عشوائيه و"مزارع" إنعاش اقتصادي للقوى المناهضة لحقوقنا بالقول والفعل، ولذلك تفتقت عقليتهم ليخرجوا علينا بقانون براءة ألذمه وبنا يستر من قرارات قادمه. وحتى نستعيد هويتنا ونتخلص من الشتاء الذي أتي على الروح قبل الجسد، علينا أن نخرج ونطالب بحقوقنا ووقف عمليه الاستغلال والاستنزاف لنا كلاجئين في المخيمات، ورفع الصوت في وجه الحكومه لتعرف أن ألقصه بالنسبة لنا مش رمانه. ملاحظه: لإنصاف اللاجئين الذي عاشوا سنوات اللجوء الأولى في الخمسينيات، لقد قاوموا من اجل الحفاظ على هويتهم ومنهم من دفع الثمن الكبير مما شكل لنا تراث قيمي وفكري وكفاحي من اجل انتزاع حقوقنا الطبقية قبل الوطنية.
|