الفرصة الأخيرة لأنقاذ العراق ومن يحكمون العراق

  

أقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي 36 من الضباط الكبار ممن يشكلون الصف الاول في القوات المسلحة العراقية وعلى رأس هؤلاء رئيس اركان الجيش ( بابكر زيباري ) وأربعة من مستشاريه هذا ما تناقلته الاخبار لكننا نشاهد بعض منهم لا يزالون في مناصبهم ويزاولون اعمالهم  . وفي خبر لاحق نشرته صحيفة ( كتابات يحررها كتابها ) بتاريخ 16 / 11 جاء فيه العبادي يقصي مزيداً من قيادات نوري المالكي العسكرية , واحتمالية العمل بهذه الاجرآت في كل من وزارة الداخلية والمخابرات وجهاز الامن الوطني وقبل ذلك أمر رئيس الوزراء حيدر العبادي  بحل المكتب العسكري للمالكي في سبتمر الماضي الذي يضم 500 منتسب ويكلف خزينة الدولة ما يقارب نصف مليار دولار, هذا الاجراء مهم لأسباب عدة . وكما يفهم من السياق العام للأوضاع في العراق .

السبب الاول . تأمين الولاء لرئيس الوزراء الجديد , وأبعاد شبهات الولاء لرئيس الوزراء السابق ( نوري المالكي ) الذي يُخيّل لبعض السياسين ورؤساء الكتل السياسية من احتمالية الانقلاب العسكري واعادة نوري المالكي وفرضه كرئيس وزراء للعراق , وهذه الاحتمالية فيها نوع من الصحة نتيجة فقدان الثقة بنوري المالكي من كل الاطراف القريبة والبعيدة منه . كذلك ما تردد قبل تنحيته عن منصبه بعد الانتخابات في هذا الموضوع . ومما يشجع على قبول هذه الفرضية هو منصبه المهم كنائب لرئيس الجمهورية .

السبب الثاني . يدخل كأجراء اولي لأصلاح المؤسسة العسكرية يتبع ذلك أعادة تنظيمها وهيكليتها وترشيقها من الترهل والتركيز على النوع بدل الكم لتسهيل مرونة حركتها حتى تكون اكثر فاعلية وجدوى .

السبب الثالث . تقليل الهدر المالي أو على الاقل أستخدام التخصيصات المالية في المكان الصحيح وتفادي هدرها بلا نتيجة . من المعلوم أن الجيش ( أفواه آكلة غير منتجة ) وهذا يعني أستخدام نسبة كبيرة من عائد الدخل القومي في المجال العسكري بدون عائد مالي او اقتصادي مُجدي , علاوة على الظرف الجديد (الاستعانة بقوات اجنبية للقتال في العراق) مما يترتب على ذلك زيادة في الصرف المالي العام  الغير محسوب , مما ادى الى ارباك واعادة نضر في التخصيصات المالية لمؤسسات الدولة والتراجع عن تنفيذ العديد من المشاريع التنموية أو الخدمية نتيجة العجز الحاصل في الميزانية العامة . الإ جراءات التي ورد ذكرها إذا كانت مبنية على هذا المنظور فهي صحيحة . شرط أن لا تتوقف على هذا الجانب فقط بل ينبغي أن تتعداه الى ابعد من ذلك بانسحابها على معالجة حالة العراق بشكل كامل وشامل . الحالة الاقتصادية والحالة الامنية والحالة الاجتماعية ومتطلباتها مثل مكافحة الفساد و توفير فرص العمل وتقليل البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية . التعامل مع هذه الحالات كسلة واحدة غير مجزئة لأنها بالاساس مترابطة وتأثيراتها متداخلة ولا يمكن أهمال او الاستغناء عن جزء منها . موضوع الاصلاح يقوم على هذا التصوّر , ومن الاشياء المهمة في هذا كله هو الاصلاح الاقتصادي . الحقيقة التي لا تقبل الجدل شرط توفر النوايا السليمة والارادة الصادقة والعزيمة القوية , كل الانشطة والفعاليات التي ذكرناها آنفاً مرهونة بصحة الحالة الاقتصادية للبلد من دون ذلك يبقى العراق عليل غير قادر على تقديم الافضل . الاقتصاد العراقي بلغ من السوء مبلغاً فاق التصور , فساد اداري ومالي وهدر جائر في المال العام وسرقات ضخمة و توظيف العائد المالي في مجالات ثانوية غير مهمة عديمة الجدوى بدل استثماره في مشاريع ذات جدوى انتاجية معقولة . وهناك امور بديهية غاية في الاهمية لا تغيب عن ذهن أبسط العاملين في القطاع الاقتصادي والمطلعين عليه , ( الميزان التجاري ) بين العراق وبقية دول العالم نلاحض أنه ليس لصالح العراق أذا ما نحينا تصدير النفط جانباً هناك خلل واضح في الميزان . إيران على سبيل المثال لا الحصر صادرات ايران للعراق بلغت سبعة مليارات دولار , هذا ما صرح به ( حسن دنائي ) سفير ايران في العراق ويقول السوق العراقية مربحة ويأمل رفع عائدات الصادرات الايرانية الى أثنين وعشرين مليار دولار , لكن نسأل كم هي قيمة الصادرات العراقية الى ايران وماذا يمكن ان نصدر لبلد نفطي مثله , من المضحك المبكي أن ايران تصدر للعراق كل شيئ حتى التمور والدولة عاجزة عن حماية المنتجات العراقية البسيطة زراعية كانت ام صناعية وغدى السوق العراقي غاصاً بالبضاعة الاجنبية من كل حدب وصوب وعلى حساب النوعية والصلاحية . هذا الحال يساهم بشكل كبير في تراجع المنتوجات المحلية وأنكماشها , وموضوع العلاقة التجارية والميزان التجاري ينسحب على بقية دول العالم . أن دل هذا فيدل على جهل العاملين في القطاع الاقتصادي أو التقصير في اداء المهام الموكلة اليهم نتيجة فساد مالي او ضغط سياسي لتوجيه الاقتصاد بشكل غير صحيح وسليم من باب استرضاء الغير على حساب مصلحة الشعب العراقي , تتحمل ذلك الادارات وأعني بها ( السلطة بمختلف اشكالها ومواقعها ). ونستشهد بذلك على صحة ما نقول الادارة السياسية في محافظتي النجف والبصرة أعلنت مقاطعتها للبضائع السعودية ومنعت دخولها لا لشيء سوى خلاف وهوى سياسي منتحين بالمصلحة العراقية الاقتصادية جانباً . يرافق ذلك أخطاء كبيرة يعاني منها الاقتصاد العراقي مثل التأخير المتكرر في اقرار الموازنة المالية مما أدى ويؤدي الى ارباك كبير في مؤسسات الدولة منها حرمان مليون نازح من تخصيصاتهم المالية كذلك المساهمة في زيادة معدلات البطالة نتيجة عدم أقرار الدرجات الوظيفية والقروض المالية  والمساهمة في ارتفاع اسعار السلع والبضائع والضرر بمصلحة المواطن من خلال الاحتيال الضريبي الحكومي و أجباره على دفعه أموال غير مشروعة مثل ما حدث في موضوع استبدال ارقام سيارات المنفيست المرسمة كمركياً وأعادة استحصال مبالغ كمركية مُبالغ فيها وأجبار المواطنين على التوقيع بعدم المطالبة بهذه الاموال كذلك أجبار المواطنين أصحاب السيارات على شراء باجات ورقية لامعنى لها بحجة المسألة الامنية . يسبق ذلك كله ضياع  نسبة كبيرة من عائد العراق النفطي من سنة 2008 الى الآن  والتي بلغت 758 مليار دولار هدرت بشكل رهيب ومريب وغير مبرر, مما ادى الى تضخم الذمم المالية لأقطاب السلطة الحاكمة على حساب مصلحة الشعب العراقي الذي يعاني من شضف العيش في اغلبه . وايضاً 100 مليار دولار خصصت  للتنمية في العراق بعد الاحتلال سنة 2003 ضاعت بين اللصوص نتيجة الفساد بين السياسين والمقاولين والشركات الوهمية . لو استثمر هذا العائد المالي في مجاله الصحيح لكان العراق غيره الآن , دمار تتحمله السلطة السياسية في العراق من بداية الاحتلال سنة 2003 لحد اليوم . هُدِرَ هذا المال على مشاريع وهمية وغير منجزة ومنها ما توقف عن العمل والتعامل مع شركات أجنبية وعراقية ومقاولين محليين في مجال الخدمات والصيانة يتقاضون مبالغ ضخمة لا تتناسب والخدمات التي يقومون بها وبدون جدوى انتاجية او عائد مالي سوى التغطية على الفساد المستشري في الدولة العراقية . أدى ذلك لتضخم الذمم المالية للسياسين الذين يديرون الدولة والسبب هي ألأدارات بمختلف مراتبها هي من شجع على ذلك . صحيح هناك رقابة مثل دائرة الرقابة و رقابة الامانة العامة ورقابة منظمات المجتمع المدني , لكنها غير فاعلة وغير صحيحة  , في الموازنات المالية القادمة من الممكن تقليص الفساد المالي الى 80% هذا مرهون بوجود أدارة صحيحة والادارة تعني ( السلطة العامة بكل أشكالها ) ومن الممكن متابعة المفسدين الذين هرّبوا ماسرقوه الى خارج العراق وأعادة هذه الاموال بالتعاون مع الجهات المعنية في الداخل والخارج . عموماً هناك هدروأنفاق مالي غير مدروس مما ادى أستغلال هذا الهدر في نشر الفساد وتنمية القدرات المالية الغير مشروعة للأدارات الحكومية و السياسيين . وظهور طبقة المليارديرية الكبيرة في السوق العراقية والمجتمع العراقي ظاهرة غير مشروعة و غير معروفة قبل الاحتلال . الموضوع الآخر في مسألة اصلاح العراق الأكثر اهمية والذي يعتبر المركز المحوري لكل نوايا واعمال الاصلاح والاساس الذي تنبني عليه كل الامور هو

الجانب الأمني الذي يخص المواطنين عموماً . وهذا يتطلب شجاعة فائقة وعزيمة قوية وصادقة وتغيير( الثقافة الطائفية والعنف ) السائدة حالياً ونتائجها القتل والتهجير والاعتقالات والاختطاف , و أستبدالها بثقافة التآخي والمواطنة واحترام الاخر وتعزيز الثقة بأجهزة الدولة الامنية والقضائية , وهذا يأتي من تشريع قوانين مقبولة وعادلة تخدم الجميع مع الحرص الشديد على تنفيذها منها مثلاً تجريم العمل بالطائفية والعنصرية و فصل الدين عن السياسة . وهذا الحال سيمكن الادارات الحكومية في الشروع والعمل بشكل آمن من تنفيذ مشاريع الاصلاح في مختلف جوانبه . الجانب الآخر في موضوع الاصلاح .

الجانب الاجتماعي . والمقصود من ذلك كل ما يتعلق بالفرد العراقي من تشريعات قانونية لها علاقة بالمسألة الانسانية والخدمية وأعادة النظر فيها . لأن من المنطقي الحصيلة النهائية لمصلحة مجموع الافراد تعني ( مصلحة المجتمع ) وهذا يتطلب أعادة النظر في الدستور و كل ما يهم المواطن من سكن وفرص عمل وصحة وتعليم ونقل وغيرها , نسمع بترويج مثل هذه الامور أعلامياً بدون فعل أو نتيجة وأن تحقق شيء منها فبعد زمن بعيد وتصل الى المواطن مثل ( قالب الثلج الذائب ) لم يتبقى منه غير قشره فقط . كقانون التقاعد المدني و كقانون الخدمة المدنية الذي تلوّح به الدولة كمن يلوح برغيف خبز لمجموعة من الجياع , نسمع به ولم يجرء أحد على اقراره والعمل به .

موضوع الاصلاح مترابط غير شائك وغير صعب أذا ما توفرت النوايا الحسنة والارادة , ومن يقوم بهذا الموضوع سيدخل التاريخ من اوسع ابوابه . عكسه ستكتب نهاية حزينة ومخزية للمشاركين والفاعلين في السياسة العراقية , وأجزم ستكون هذه الفرصة الاخيرة المتاحة لهم , عليهم أن يكونوا شجعاناً ويعتمدون على الشعب كسند قوي وفاعل وأعتباره الهدف والوسيلة وأن يتحرروا من التبعية الاجنية بكل اشكالها السياسية والاقتصادية والدينية . والنظر الى شعب العراق على اساس الكيان الواحد تجمعه الصفة الوطنية سمته الوحيدة الهوية العراقية التي تسمو فوق العنصرية والقومية والدينية والحزبية .

موضوع اصلاح العراق لا يمكن أختزاله بأصلاح المؤسسة العسكرية لأن الخلل الحاصل فيها نتيجة خلل عام مستشري في كل مؤسسات الدولة العراقية , وكما ذكرنا آنفاً يجب العمل على موضوع الاصلاح بأعتباره ( سلًة واحدة ) ومن غير الصحيح تجزئة موضوعه . والمسألة المهمة والملحّة الأخرى هي الشروع بالاصلاح الفوري وبدون تباطؤ , لا مجال للتأخير أو التباطؤ أو المراوغة في ذلك لأن المسألة بلغت أعلى درجات الخطورة متوقفة على حد السيف , بعد ذلك لاينفع الندم .