جمعة ارحمونا

أطراف المشكلة العراقية ، سائرون نحو التصعيد ، والدعايات الانتخابية المنتشرة في بغداد وبقية المحافظات ، غير كافية لإعطاء رسالة اطمئنان للعراقيين تفيد بأن الأوضاع مستقرة ، في ظل استمرار  التظاهرات ، وتبادل  الاتهامات بين المحتجين والحكومة ، ومن توفرت له فرصة متابعة الاحداث بعد الجمعة الماضية يشعر بأن البلد أصبح تحت رحمة عفريت ، يتجه به نحو المجهول .

الأزمة العراقية المستعصية أصبحت مشكلة ، وتتحمل مسؤوليتها الأطراف المشاركة في الحكومة ، لفشلها في تحقيق اتفاق على عقد اجتماع موسع أو مؤتمر، لبحث القضايا التي تهدد مستقبل العملية السياسية ، أو في أقل تقدير إيجاد أرضية مشتركة ، تنقذ البلاد من الانزلاق نحو منعطف خطير ، وإذا كان القادة السياسيون  يصرون على مواقفهم ، ويرون في التصعيد  السبيل الوحيد لتحقيق أهدافهم ، فإنهم بهذا الإصرار  حفروا في الأرض العراقية خنادق طائفية ، يتمترس فيها من شعر  بأن الديمقراطية جردته من امتيازاته ، وأبعدته عن السلطة ، وآخر يتشبث بها ، بذريعة التمسك بالدستور ، وتطبيق مواده .

جمعة "الفرصة الأخيرة "  كشفت عن صعوبة تحقيق تقارب بين المحتجين والحكومة ، ورافقتها أحداث أخرى ، تؤكد أن الأيام المقبلة تتجه نحو التصعيد ، وبغض النظر عما أعلن بخصوص  اتخاذ إجراءات لتنفيذ مطالب المحتجين ، سواء بإطلاق سراح موقوفين ومعتقلين ومحتجزين  وإلغاء قرارات طالت المشمولين بالمساءلة والعدالة ، لم يصل الطرفان بعد إلى نقطة مشتركة ، تعزز الثقة بين الجانبين ،  وهنا تكمن الخطورة ، وبهذه الأجواء المشحونة بخطاب يتجاهل  الفهم الصحيح للديمقراطية ، ظهر العفريت ، فأشاع المخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف ، وقلق من عودة سنوات الاحتقان الطائفي .

من حق العراقيين اليوم وكرد فعل على ما يجري في البلاد أن  يعلنوا رفضهم لكل مظاهر تهديد أمنهم ، وقد تكون "جمعة ارحمونا " خطوة أولى بهذا الاتجاه ، ورسالة موجهة إلى الحكومة والمتظاهرين وجميع القوى المشاركة في العملية السياسية لكي تتخذ موقفا موحدا يمنع العفريت من القيام بأي عمل أحمق ، يطول العباد .

"جمعة ارحمونا " دعوة افتراضية  للحفاظ على السلم الأهلي ، ونبذ العنف ،  والتمسك بالقانون ، ومحاولة لإعادة قراءة المواقف بشكل يخدم مصلحة البلاد من منظار وطني،  بعيدا عن أية دوافع  مناطقية أو مذهبية ، وبخلاف ذلك ، سيجد العفريت الطريق أمامه معبدا ليحقق مكاسب رخيصة لصالح من أسهم في إخراجه من قمقمه ، سواء  بعوامل داخلية أو خارجية .

استغاثة "ارحمونا " صوت عراقي ينطلق من شعور وطني ، لا أحد يستطيع المزايدة عليه ، وهو بانتظار من يدعمه ، من القادة السياسيين والأطراف المشاركة في الحكومة ، وكذلك من المتظاهرين ، ليحافظوا على شرعية حقوقهم ،وتشكيل جبهة  عريضة ضد العفاريت .