الركيزة البحرية الرابعة نداء متجدد فوق الفنارات المهجورة

في شهر تشرين الأول من عام 2009 نشرت لي صحيفة الزمان البغدادية مقالة بعنوان (الركيزة البحرية الرابع) بعددها (3428), حاولت من خلالها حث مؤسساتنا الحكومية العراقية نحو مواكبة التشريعات البحرية الحديث, والارتقاء بمستوى الأداء نحو الأفضل, لكنني وعلى الرغم من مرور خمسة أعوام على المقالة لم أر أي تبدل أو تغير في الموقف, حتى جاء اليوم الذي أعادتني فيه كلمات الكابتن (جان لويس Jean Louis) إلى الزمن الذي قلت فيه كلمتي فلم يسمعني أحد, فتبددت صيحاتي في وديان الإهمال, وطواها النسيان كغيرها من الصيحات المخنوقة, وها هو (جان لويس) يكرر اليوم الصيحة نفسها, ويطالبنا بتشييد ركيزتنا البحرية الرابعة (The fourth pillar). . الكابتن (جان) فرنسي الجنسية, زار البصرة في الأسبوع الثاني من شهر شباط (يناير) هذا العام 2013 ومعه فريق استشاري من المنظمة البحرية العالمية (IMO) في مهمة رسمية لتقديم التوصيات المرتبطة بعودة العراق إلى الأسرة البحرية الدولية, والسماح لمؤسساتنا بدخول أروقتها الرحبة, وولوج نوافذها التشريعية المفتوحة على تطبيقات الاتفاقيات البحرية الدولية. . . لقد اكتملت على الصعيد العالمي منذ بضعة أعوام الركائز الأساسية الأربع, التي شُيدت فوقها القواعد الرباعية الرصينة للتشريعات البحرية الدولية النافدة, كانت الركيزة الأولى هي الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحر (SOLAS) لسنة 1974 بصيغتها المعدلة, وكانت الركيزة الثانية هي الاتفاقية الدولية لمعايير التدريب (STCW) لسنة 1978 بصيغتها المعدلة, وكانت الركيزة الثالثة هي الاتفاقية الدولية للوقاية من التلوث الناجم عن السفن (MARPOL) 73/78, إما الركيزة الرابعة فهي الاتفاقية الدولية للمعايير الموحدة في العمل البحري, والتي ولدت عام 2006 لضمان وحماية حقوق العاملين في البحر. . فما أحوجنا في العراق إلى إرساء سلطتنا البحرية, التي لم تولد حتى الآن, على هذه الركائز المتينة الملزمة التطبيق. ونحن هنا لا نتحدث عن مؤسسة عراقية بعينها, لكننا نتطلع إلى مشاركة جميع الجهات, التي تمارس نشاطاتها المعتادة في مياهنا الوطنية, أو تزاول أعمالها اليومية في المسطحات المائية الممتدة من المنصات النفطية المشيدة في خور الخفقة إلى الكازينوهات الترفيهية العائمة بجوار كورنيش العشّار, ويأتي القطاع المسئول عن التأمين البحري في المقام الأول, ولكن بصورته الحضارية المكرسة لضمان سلامة السفن وطواقمها, لا بصورته التعسفية المكرسة لاستقطاع الرسوم المالية. إذن لابد من التعرف على هذه الركيزة وأبعادها وخصائصها, فالركيزة الرابعة اصطلاح بحري جديد, وصيغة تشريعية حديثة ابتكرتها منظمة العمل الدولية (ILO), وأطلقتها على الاتفاقية الشاملة لتنظيم شؤون العاملين في البحر, وهي اتفاقية جامعة لحوالي (37) اتفاقية سابقة, تتضمن حقوق العاملين على الناقلات العملاقة, والسفن التجارية بكافة أنواعها, وسفن وزوارق الصيد, والأرصفة والموانئ والمرافئ, والمنصات النفطية, وقوارب الخدمة, وفرق الغوص والمسح الهيدروغرافي, وأحواض التسفين الجافة والعائمة, ومحطات الرصد والمراقبة المقامة في الماء, والمنشآت والجنائب العائمة. وتضم أيضا التزامات ملاك السفن, وخطوط الشحن البحري, وكذلك التزامات الحكومات في ضمان تنفيذ بنود الاتفاقية على طواقم السفن المحلية والأجنبية المترددة على موانيها من خلال رقابة دولة الميناء ((PSC. وتجدر الإشارة هنا, أن وزارات القوى العاملة في معظم الدول العربية أخذت بعين الاعتبار مراعاة أحكام المعايير الصادرة عن منظمة العمل الدولية سواء المصدق عليها, أو غير المصدق عليها في إعداد القرارات العربية الساعية لغرس الركيزة الرابعة في مواقعها الصحيحة، وذلك حرصا منها على تحسين أوضاعها في مجال التشريعات الدولية الخاصة بالعمل البحري. ولنأخذ على سبيل المثال, لا الحصر تجربة جمهورية مصر العربية في التعامل مع الركيزة الرابعة, فقد صادقت مصر حتى الآن على (63) اتفاقية عمل دولية, منها (18) اتفاقية بحرية. وكانت سبّاقة في تبني تطبيقات الركيزة الرابعة, فأصدرت سلسلة من القرارات التي أخذت طريقها نحو التنفيذ. نذكر منها: مطالبة وزارة المالية (مصلحة الضرائب) للنظر في احتساب الوعاء الضريبي على المرتب الأساسي فقط, وإعفاء علاوة مكافأة الإبحار، وبدل المخاطر، وكذلك تكلفة الحصول على الشهادات اللازمة لاستخراج جواز السفر البحري وتجديده, وتفعيل وتحديث البروتوكولات الثنائية الموقعة بين مصر والدول الأخرى, من أجل تنظيم وتوفير فرص عمل لهم ورعاية مصالحهم, والعمل على إبرام بروتوكولات جديدة في هذا الخصوص. والتوصية بتعديل أحكام قانون التجارة البحرية رقم 8/1990 لدراسة سريان الأحكام الجديدة على السفن التي تقل حمولتها عن 20 طن, وبناء قاعدة بيانات للعمالة المصرية البحرية, مع وجود شبكة ربط بين مكاتب التشغيل في الموانئ المصرية, ومناشدة منظمتي العمل الدولية والعربية بعقد ورشة عمل خاصة بالعاملين على سفن الصيد ومعالجة مشاكلهم. وإنشاء وكالة قومية تختص بالتأهيل والتدريب والترويج وتشغيل العمالة البحرية المصرية ومتابعة تنفيذ عقود العمل المبرمة حفاظاً على حقوق الطرفين. وإنشاء صندوق للكوارث للعمالة البحرية وتحديد مصادر تمويله, ومناشدة منظمتي العمل الدولية والعربية لتقديم المساعدة المادية والفنية اللازمة حتى يتسنى لمصر التصديق على الاتفاقية رقم (185) لسنة 2003 الخاصة بوثائق هوية البحارة (الجوازات البحرية). وسارت الدول العربية الأخرى في مسارات متقاربة, وبخطوط متوازية نحو تنظيم شؤون العاملين في البحر (القطاع الخاص), وضمان حقوقهم. لكنك إن ذهبت إلى الفاو سيدهشك تعداد سفن الصيد المهجورة, وتجمعاتها المتناثرة على ضفاف شط العرب من (رأس البيشة) إلى (القرنة), وسينفطر قلبك من منظرها المؤلم, فمن يا ترى المسئول عن هذه الكارثة المفزعة؟. وما مصير آلاف العمال الذين اضطروا للتخلي عن أعمالهم من غير تعويض؟. ولماذا يمنعون (اللنجات) العراقية من دخول الموانئ الخليجية ؟؟. ومتى تُعالج مشاكلهم المستعصية ؟. ومتى تصادق وزارة الزراعة على الاتفاقية الدولية رقم 188 لسنة 2007 لتنظيم شؤون الصيادين البحريين ؟. ولماذا يطالبون سفننا المحلية بتسديد الضرائب المفروضة عليها رغم توقفها عن العمل منذ القرن الماضي ؟؟؟, سيما إن ما تحصل عليه مديرية الضريبة سنويا يصل إلى أرقام فلكية مذهلة, لكنها لم ولن تصرف منها فلسا واحدا لدعم النشاط البحري. هذه مجرد أسئلة عامة نضعها على طاولة مجالس واتحادات وهيئات محافظة البصرة. وننتظر منها الجواب. . .