معركة فيشخابور ... تعبئة وتحشيد في أربيل وترقب وتصعيد في بغداد وحيادية غير نزيهة في واشنطن

بغداد – كعادة السياسيين في صناعة الأزمات في بلاد الرافدين، تطورت المواقف الشخصية بين نوري المالكي ومسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان حول تحركات الجيش العراقي المركزي في مناطق متنازع عليها، لتهدد سيادة وأمن البلد بأكمله.

ففي الوقت الذي أعلنت حكومة إقليم كردستان أستنفار قواتها العسكرية بالكامل أستعدادا لمعركة وشيكة للدفاع عما أسمته المكتسبات الخاصة بالإقليم، تصاعدت تهديدات حكومة نوري المالكي، في وقت دخلت الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة لتؤكد التزامها الحياد الغير نزيه بين المركز والأقليم.

الأحزاب والكتل السياسية الكردية أكدت بعد أنتهاء إجتماع عقد في أربيل برئاسة مسعود البارزاني، أستعدادهم للدفاع عن مكتسبات شعب كردستان، وشددوا على ان المشاكل السياسية لا تعالج بالقوة والتهديد، بل عن طريق تنفيذ الدستور والاتفاقات وانتهاج طريق الحوار.

وجرى خلال الاجتماع بحث الأوضاع الراهنة في إقليم كردستان والعراق والمنطقة ومسألة استقدام القوات العسكرية الى مناطق شنكال وزمار. ثم عرضت لجنة التنسيق مع الجيش الاتحادي والقوات الأمريكية آخر المستجدات في هاتين المنطقتين وقدمت شرحاً دقيقاً عن الاتفاقات والوثائق التي لم يتم العمل بها من قبل الحكومة الاتحادية لحد الآن، والتأكيد على وحدة الصف والموقف الكردي والاستعداد للدفاع عن مكتسبات شعب كردستان.

وشارك في الاجتماع الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الشيوعي الكردستاني، والحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الاسلامي الكردستاني، والجماعة الاسلامية الكردستانية، وحزب كادحي كردستان، والحركة الاسلامية في كردستان، والحزب الديمقراطي الكردستاني.

من جهته صعد ائتلاف دولة القانون من مواقفه ضد البارزاني على خلفية رفض الأخير السماح لقوات عراقية بالانتشار في معبر فيشخابور الحدودي. ودعا أعضاء في ائتلاف المالكي الى استجواب البارزاني في البرلمان لارتكابه مخالفة دستورية, في حين ذهب آخرون الى التهديد باستخدام القوة لنشر قوات الجيش العراقي وطرد قوات "البيشمركة" التي تتمركز في معبر فيشخابور منذ العام 1991 عندما تحولت المنطقة الكردية بالكامل شمال البلاد الى ملاذ آمن بدعم من مجلس الامن الدولي.

وقال النائب في التحالف الكردستاني محما خليل قاسم ان كل المعطيات تثبت أن قرار المالكي إرسال قوات عسكرية الى معبر فيشخاور الحدودي بين اقليم كردستان وسورية، وراءه دوافع سياسية في مقدمها تأمين سلامة النظام السوري. واضاف ان معبر فيشخابور الذي يقع في الخط الفاصل بين محافظة نينوى الخاضعة للحكومة المركزية في بغداد وبين محافظة دهوك التابعة لأقليم كردستان هو منطقة آمنة تخلو من اي مشكلات, ولذلك لا يوجد مبرر كي يرسل المالكي قوات عسكرية بهذا التوقيت بالتحديد ما يؤشر على ان هذه الخطوة مرتبطة بتطورات الوضع في سورية واندلاع معركة مدينة حلب.

واشار الى ان الاتهامات التي يطرحها مقربون من المالكي ضد البارزاني، والقول أنه يقوم بتدريب وتسليح أكراد سوريين لإرسالهم عبر معبر فيشخابور الى مدينتي القامشلي والحسكة لا أساس لها من الصحة, مؤكداً أن البارزاني ملتزم عدم التدخل في شؤون الدول الاخرى مع التأكيد ان القادة الاكراد في اربيل يؤيدون بقوة نضال الشعب السوري من أجل الديمقراطية والحرية, ويقفون ضد النظام السوري الذي أمعن في قتل شعبه بوحشية.

وفي السياق كشفت مصادر سياسية مطلعة إن اتصالات جرت في الأيام القليلة الماضية بين مقربين من المالكي وبين مسؤولين في دمشق وطهران أفضت إلى القيام بخطوة ارسال قوات عسكرية الى حدود كردستان مع سورية, موضحة أن هذا التنسيق هدفه اجهاض خطة "الجيش السوري الحر" والمعارضة لإقامة مناطق محررة تمتد من القامشلي والحسكة الى حلب بعد تحريرها من قوات نظام الاسد.

وقالت المصادر ان معلومات وصلت المالكي مفادها ان البارزاني لديه اتصالات مع الجيش السوري الحر وجماعات كردية سورية لدعم عملية تحرير منطقة شمال شرق سورية بالكامل من قوات النظام وتحويلها الى مناطق عازلة, كما ان البارزاني أرسل اسلحة ومقاتلين من البيشمركة لحماية الأكراد في القامشلي والحسكة, بعد ورود تقارير عن نية شبيحة الاسد ارتكاب مجازر في المناطق الكردية السورية.

في حين أكدت اوساط رفيعة في التحالف الوطني إن البارزاني اصبح جزءاً من محور تركي - غربي - عربي لإسقاط نظام الاسد، معتبرة انضمام اقليم كردستان الى الجبهة الدولية الاقليمية المناهضة للنظام السوري معناه ان البارزاني يلعب أدواراً معينة في خطة اسقاط الاسد، وطلب منه بعض الامور اللوجستية الضرورية لدعم المعارضة السورية المسلحة.

وكشفت أن عسكريين أتراكاً وفرنسيين وبريطانيين زاروا منطقة الحدود بين اقليم كردستان وبين سورية عند معبر فيشخابور.

وقال النائب في ائتلاف العراقية ياسين محمد مطلك ان توجه المالكي لإرسال قوات عسكرية الى معبر فيشخابور الحدودي بين اقليم كردستان وبين سورية مرده الى امرين اثنين، الأول يرتبط بالخلافات السياسية المتفاقمة بين حكومة الاقليم وبين الحكومة المركزية في بغداد, ولذلك تأتي خطوة ارسال قوات الى المناطق التي تسيطر عليها قوات البيشمركة الكردية في اطار تصفية حسابات بسبب تلك الخلافات. والأمر الثاني له صلة بالدور الذي لعبه المالكي طوال الازمة السورية والمتمثل بحماية النظام السوري والدفاع عنه رغم أن هذا الدور تقلص في الوقت الراهن، ويهدف ارسال قوات الى معبر فيشخابور إلى منع تسلل المسلحين وتهريب السلاح الى الجماعات التي تقاتل النظام السوري كما يعتقد المالكي.

واضاف النائب انه لا يجوز ارسال قوات الى مناطق يسكنها الشعب الكردي لأن الاكراد هم جزء اصيل من الشعب العراقي ولا ينبغي التعامل معهم بهذه الطريقة الاستفزازية وبالتالي كان من الافضل للحكومة المركزية برئاسة المالكي ان تختار اسلوب التنسيق والحوار قبل أن تقدم على ارسال قوات عسكرية تحت اي ذريعة الى مناطق الحدود بين اقليم كردستان وبين سورية.

في غضون ذلك دخلت الولايات المتحدة الأمريكية على خط الأزمة بين بغداد وأربيل، واعلنت سفارة أمريكا في بغداد، الاثنين، عن التزامها بالحياد حيال الازمة الناشبة بين اربيل وبغداد. في حين افادت تقارير صحفية بان واشنطن حذرت بغداد من اجل سحب قواتها.

وذكرت صحيفة (رووداو) الكردية ان "السفارة الامريكية في بغداد اجابت على سؤال بشأن موقفها من الازمة بين اقليم كردستان والحكومة العراقية بانها لا تساند اي طرف في ظل الاوضاع الحالية في العراق"، مستدركة ان "الولايات المتحدة ترغب في ان يتوصل العراقيون بانفسهم لحل هذه الازمة ضمن الاطر الدستورية والقوانين العراقية".  

واضافت ان "الولايات المتحدة تدعم استمرار الحوار وتطالب جميع الاطراف العمل المشترك والالتزام بالدستور وبنود القانون من اجل التوصل لنتيجة يكمن فيها حل جميع الخلافات بينها". وتشير الصحيفة الكردية الى ان "هناك معلومات مؤكدة تفيد بان واشنطن حذرت الحكومة العراقية من اجل سحب قواتها"، مؤكدة ان "القوات العراقية انسحبت الان مسافة كيلومتر ونصف فضلا عن سحب بعض من تلك القوات من الاماكن التي انتشرت فيها في زمار". واستدركت الصحيفة ان قائد اللواء الثامن التابع لقوات البيشمركة هاشم سيتيي الذي يتمركز في خط التماس في قرية القاهرة افاد بان "القوات العراقية مستمرة في اقامة السواتر وحفر الخنادق في المنطقة"، مشددا على ان "قوات اكبر من البيشمركة كانت قد انتشرت في المنطقة وهي على اهبة الاستعداد لاي طاريء". وقال سيتيي ان "القوات العراقية تقدمت في البدء كقوة مهاجمة، الا انها تحولت في الساعات الاربع والعشرين الماضية الى حالة الدفاع".

وكانت وزارة البيشمركة في حكومة اقليم كردستان، أعلنت السبت الماضي، عن ان الولايات المتحدة تجري حاليا حوارات مع بغداد واربيل بهدف حل ازمة معبر پيشخابور. وقال وكيل الوزارة أنور الحاج محمود، ان القوات العراقية لم تنسحب من منطقة پيشخابور، مستدركا ان الولايات المتحدة الامريكية تجري حوارات مع القيادة الكردية والحكومة العراقية لانهاء هذه الازمة. واكد الحاج عثمان ان قوات البيشمركة تقوم حاليا بمحاصرة القوات العراقية التي دخلت المنطقة، مشددا على اننا قلنا لهم ليس هناك امامهم سوى الانسحاب.