الصحفي والكاتب الايرلندي "كوكبورن" ينجز تحقيقا في العراق باسم "بغداد وكر للفساد، ونوري المالكي يلعب دور المخبر الامريكي" ادغار هوفر




كتب: باتريك كوكبورن Patrick Cockburn

ترجمة وتحرير: العراق تايمز

 

العراقيون ليسوا سذجا، لانهم مروا بتجارب مؤلمة سببها الحكام الذين توالوا على بلادهم خلال خمسين سنة مضت، وغالبا ما يكون هؤلاء الحكام انانيون ومتوحشون أو جشعون وغير اكفاء.

عندما أعلنت حالة الطوارئ قبل عشر سنوات، عندما كانت الولايات المتحدة الامريكية و بريطانيا تستعدان للإطاحة بصدام حسين، انقسم العراقيون لقسمين  منهم من كان يأمل بالهرب خارج البلاد واخرون عادوا من المنفى ووعدوا ببناء دولة جديدة.

شهور قليلة قبل الغزو كنت قد استجوبت أحد الموظفين سرا في بغداد، لقد قدم لي تحليل دقيق حين قال: "العراقيون المنفيون هم نسخة طبق الاصل للذين يحكموننا حاليا مع فرق واحد وهو ان الذين يحكموننا قد شبعوا لانهم بلغوا ثلاثين سنة من نهبنا" وأضاف "اما أولائك الذين جاءوا مع القوات الامريكية، لديهم جوع شره".

الكثير من العراقيين الذين عادوا الى العراق بعد الغزو المقاد من  طرف الولايات المتحدة الامريكية كانوا أصحاب مبادئ سامية، لانهم على الاقل ضحوا كثيرا باعتبارهم معارضين لسياسة صدام حسين ولكن بعد مرور عشر سنوات أصبح ما تم التنبؤ به حول جشع الحكوميين الجدد حقيقة مطلقة، حيث قال أحد الوزراء السابقين:" الحكومة العراقية تعوم في فساد مستفحل اصبح له طابع مؤسساتي"

انها وجهة نظر مشتركة لكل العراقيين الذين هم في الخطوط الامامية للأعمال التجارية في بغداد. أسعار العقارات في بغداد جد مرتفعة ومع ذلك يوجد الكثير من المشترين، لقد وجهت سؤالا لعبد الكريم علي، أحد الوكلاء العقاريين، أجابني ضاحكا بان هناك الكثير من المستثمرين الذين جاؤوا من كردستان والبحرين ولكن ان اغلب المشترين الذين يتعامل معم، هم سراق سنة 2003 الذين يملكون الكثير من المال... سالته، من هم؟ اجاب "انني اقصد المسؤولين الحكوميين... انهم يشترون احسن واغلى الممتلكات لأنفسهم".

يقول غسان عطية وهو ناشط واستاذ في العلوم السياسية " الفساد في العراق لا يصدق، فلا يمكنك ان تتحصل على منصب شغل في الجيش او في الحكومة دون دفع الرشاوي ولا يمكنك الخروج من السجن دون دفع الرشاوي، وكثيرا ما يتم اطلاق سراحك من قبل  القاضي، ولكن يتحتم عليك ان تدفع ثمن الاوراق، والا ستبقى هناك. و حتى لو كنت حرا طليقا من الممكن جدا أن يقتنصك احد افراد الشرطة ويجبرك على دفع ما بين 5000 دولار الى 10000 دولار لتعويض خسارته عندما اشترى هذا المنصب".

في العراق كل شيء قابل للبيع. لقد قال لي احد السجناء السابقين أنه كان يتحتم عليه في السجن دفع مبلغ 100 دولار لسجانه مقابل دوش واحد فقط. كل شيئ في عراق اليوم يعمل على نمط المافيا".

لقد عقد وسمم الفساد الحياة اليومية للعراقيين خصوصا بالنسبة للطبقة المعوزة الغير قادرة على دفع الرشاوي التي تطلب منها ومع ذلك يجب العلم أن استفحال الرشوة لا يشل الدولة او الاقتصاد، فمثلا الحكومة الاقليمية لكردستان التي تتمتع باستقلال كبير لقد حطمت ارقام قياسية في الفساد ومع ذلك فان اقتصادها مزدهر وتدبيرها الاقتصادي يعتبر نموذجا للبلاد.

ان ما دمر العراق هو سرقة الاموال العامة، فعلى الرغم من انفاق عشرات الالاف من الملايين من الدولارات، يتواصل انعدام  الكهرباء والخدمات الاخرى.

صحيح أنهم القليل من حزنوا على سقوط صدام حسين ولكن اغلبهم يتذكرون انه بعد الضربات الجوية للولايات المتحدة الامريكية ضد البنية التحتية العراقية سنة 1991 قد تم اصلاح محطات توليد الطاقة كليا وعبر الموارد العراقية فقط.

كل القطاعات تقريبا تشهد حضور عنصر الفساد، لكنه استفحل بشكل كبير عل مستوى العائدات النفطية التي سطت عليها طائفة من السياسيين المجرمين والاحزاب والموظفين.

يقول أحد المراقبين العراقيين أن نقاد نوري المالكي، رئيس الوزراء منذ سنة 2006 يقولون بان نهجه في السيطرة السياسية يتجلى في منح العقود والمناصب لمؤيديه واصدقائه ولكن هذا ليس كل شيء، لان المستفيدين من هذه الهبات مهددون بتحقيقات وشكاوي اذا خرجت عن نطاق السيطرة، فحتى اولائك الذين لم يتحصلوا على عقود يمكن ان يكونوا عرضة هدفا لهيئات مكافحة الفساد ولكن هنا يلعب المالكي دور "ادغار هوفر" الذي يستخدم ملفات أعداءه.

ولهذا فان الحكومة لا يمكنها اصلاح النظام، حيث ذلك يعتبر مهاجمة لآلياتها التي تتعامل بها في الحكم، فحتى مؤسسات الدولة المكرسة لمكافحة الفساد قد تم تقويضها بشكل منهجي، ويتم تهميشها أو تهديدها.

 قبل خمس سنوات شهد موظف سامي في السفارة الامريكية امام الكونغرس بان نوري المالكي اعطى اوامر سرية من أجل منع لجنة النزاهة من إمكانية ارسالها قضايا للمحاكم، و أضاف أنه في حالة اذا كانت هذه القضايا تستهدف كبار المسؤولين في الدولة او حتى نوري المالكي نفسه  فان أوامره السرية تكمن حرفيا في ترخيص بالسرقة.

هي اشياء قليلة التي تغيرت منذ ذلك الحين، لأن السرقة باتت بشكل مستفحل جدا والسارقون يحضون بحماية رسمية، ففي سنة 2011  اكتشف رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة السابق العديد من "الشركات الاشباح" في الخارج والتي يتم استعمالها من طرف الحكوميون بغية منح انفسهم عقود وهمية ويقومون بعملية الانفاق على الرغم من ان هذه العقود ليست مكتملة.

يقول تقرير منظمة international Crisis Group وهي منظمة غير ربحية تهدف الى منع وردع الصراع: عندما حاولت هيئة النزاهة تجنيد المحاكم لمحاكمة المتورطين قامت الحكومة بحظر كل الطرقات لذلك وهذا ما اجبر العكيلي على تقديم استقالته، وهو نفس النهج الذي تعاملت به الحكومة العراقية في تاسع سبتمبر من سنة 2011 عندما انتقد الصحفي البارز هادي المهدي الحكومة فمات مقتولا في بيته، وقبل ساعات من اطلاق النار صوب راسه كان قد كتب في صفحته عل الفيس بوك انه يعيش في رعب، وقد تم تهدديه بانتقام من الحكومة.

ليس جميع الموظفين العراقيين فاسدون. ولكنهم كلهم معرضون لاتهامات بالفساد وهذا له أثر سلبي، حيث قال أحد رجال الأعمال الأمريكيين بانه كان يتفاوض مع احدى الوزارات التي ظن ان فيها فقط 10 بالمائة من الموظفين من يقبلون الرشوة وان 90 بالمائة من الموظفين الباقين يعلمون انهم من الممكن ان يكونوا موضوع تحقيق، لذلك فان الاكثر امانا بالنسبة اليهم اخد رواتبهم ليس الا.

هناك اسباب اخرى تدفع المدراء العامين  في الوزارة التزام الصمت، يقول قاسم هو مهندس كبير في وزارة الكهرباء: "المدراء العامين حصلوا عل مناصبهم عبر وساطة اتصال سياسية، يسيطرون عل مشاريع كبيرة ولكن ليست لهم تجارب عند التخطيط للمستقبل لذلك لا يقومون باي ردة فعل لتجنب فصلهم".

"انهم يسخرون من الوعود الرسمية لإنهاء النقص في الطاقة الكهربائية ويعلمون ان ذلك لن يتحقق ولو بعد مرور ثلاثين سنة، فهم لازالوا  يضعون الكثير من التشديد في توليد الكهرباء ونقلها وتوزيعها".

النخب الجديدة التي تستفيد من النظام، لديهم وجود غامض خلف اسوار المنطقة الخضراء، وفي شوارع بغداد يتنقلون داخل قوافل مدرعة، ويعتقد ان معظم الاموال المختلسة سينتهي بها الامر خارج البلاد في حين ان الباقي سيتم تخزينه في البنوك او استثماره في العقار.

هناك الكثير من المال في بغداد ولكن يعتبر الاستهلاك قليلا بالمقابل، العنف يتراجع ولكن الخوف الناتج عن الاختطاف يسري في كل مكان فلا احد يريد لفت الانتباه او اظهار ثروته.

الوكيل العقاري "علي" يقول" اسوق سيارة مهترئة حتى لا يعرف الناس انني امتلك المال.

العراقيون الاغنياء يعيشون في مناطق محروسة خلف اسوار وخلف "البودي كارد" وفي يوم من الأيام زرت سوق الطيور في الشورجة بوسط بغداد، تقدم لي احد الباعة وسألني ان كنت اريد ان اشتري رضيع نمر او اسد واظهر لي صورهم وهمفي قفص خارج المدينة، ثم سالته من يشتري منك ذلك عادة؟ قال شيوخ العشائر لأن ذلك يعتبر من آخر مظاهر الموضة"

لماذا هو الفساد رهيب في العراق؟

العراقيون أعطونا اجابات بسيطة: "العقوبات المفروضة من طرف الامم المتحدة دمرت المجتمع العراقي في فترة التسعينات، والامريكيون دمروا الدولة العراقية سنة 2003 وتوزيع المناصب يتم استنادا على الطرف الاصدقاء والمقربين، هناك الكثير من الرابحين والكثير من الخاسرين وجميعهم يعتمدون على الصادرات النفطية اذا ما استمرت في الارتفاع.

فقد اعترف احد الوزراء  أنه في يوم من الايام عم الذعر في الوزارة والسبب هو نزول اسعار النفط بشكل قوي، وبالتالي تقلص فرص النهب الوفير.

 

رابط الموضوع الاصلي من هنا:

http://www.counterpunch.org/2013/03/05/how-baghdad-became-a-city-of-corruption/