لم تكن زيارة رئيس الوزراء التركي السيد أحمد داود اوغلو غريبة في هذا الظرف الذي تمت فيه الاتفاقية بين الاقليم والمركز حول النفط وتصديره والاتفاق على تسليم اربيل كميات من النفط مقابل ارسال بغداد مبلغا من المال لكردستان في بادرة لتحسن العلاقات التي تأزمت سابقا بسبب السياسات الخاطئة التي لم تجلب سوى الازمات التي تعصف بالبلاد ، حتى استطاعت عصابات مجرمة من تجاوز الخطوط الحمر للجيش والبيشمركة ، فادرك الجميع حجم الخسارة التي لم يحسبوا لها حسابا واقعيا . تلوح في الافق تفاهامات اوسع بين الاقليم والمركز في انتظار اجتماع قمة بين الطرفين سيعقد في بغداد ، نأمل ان يؤدي الى وضع حلول واقعية للنفط والثروة والموازنة ، كي تسير عربة المشاريع الاستثمارية على سكة تطوير البلد . والمستغرب انه رغم الثروة النفطية التي يمتلكها العراق ، ومليارات الدولارات ، الا انه لم يستطع أن يحقق الرفاهية في أية مدينة من مدن العراق مثلما جرى تحقيقه في مدن اقليم كردستان من تطوير في اربيل والسليمانية ودهوك ، وهو ماجعل المواطن يقارن بين حالتين متناقضتين بسبب السياسـة المالية الخاطئة ، وابرز دليل على خطل السياسة المالية ما تعرض له البنك المركزي من انتكاسة مخجلة تمثلت باصدار مذكرات اعتقال لادارته ، و دلائل محاولة تصحيح ذلك فيما بعد من قبل حكومة العبادي واعادة تعيين السيد مظهر صالح مستشارا اقتصاديا في رئاسة الوزراء . بالاضافة الى ذلك تنظر دول الشرق الاوسط - على الاخص ايران ، السعودية ، تركيا ، و مصر - بعين القلق الى النتائج التي سيتمخض عنها الاجتماع القريب جدا بين الدول 5 + 1 وايران حول التخصيب النووي ، والذي ان تم التوصل فيه الى اتفاق مرحلي سيحدث تغييرا جديدا في المنطقة ، وربما لهذا السبب راينا استباق النتائج من قبل اكبر دولتين في المنطقة هما السعودية وتركيا لاعادة ما انقطع من صلات مع العراق ، فان الاتفاق الايراني مع الغرب حول التخصيب النووي سيفتح الباب واسعا اما تفاهمات جديدة حول الوضع السياسي والاقتصادي لدول المنطقة مع اوربا . ان عمق الازمة في اوربا ، سواء بسبب الحاجة الى النفط من الشرق الاوسط او الغاز من روسيا ، ستؤثر على دول الشرق الاوسط ايضا ، لان الكثير من اقتصاديات الشرق الاوسط تعتاش على تصدير النفط والمواد الخام والمنتجات الزراعية الى اوربا ، لذلك فان اي ركود اقتصادي في اوربا ، سينعكس على دول الشرق الاوسط . فالعلاقات الدولية اصبحت متشابكة ، لها تأُثير متقابل ، والتبادل التجاري اصبح اساس العلاقات بين الدول ، ليس بالامكان تجاوز اية دولة مهما كانت بعيدة لانها جزء من المنظومة الاقتصادية في العالم ، لذلك وجدنا الدول الاوربية وامريكا تهرع للمساعدة في انقاذ ليبيريا وسيراليون والدول الافريقية الاخرى من ازمة وباء ايبولا ، فان الخلل في اقتصاد دولة مثل ليبريا يؤثر في اقتصاد افريقيا عموما وينعكس بذلك على بقية دول العالم ، ولذلك شاع المفهوم الحديث ان العالم قرية صغيرة . من خلال الاتفاق الاولي الذي تم بين المركز والاقليم بمساعي وزير النفط الجديد السيد عادل عبد المهدي ، لمسنا ترحيبا بالاتفاق من قبل معظم الاوساط ، في دلالة واضحة على بعد النظر وعقد الامال على التوصل الى حلول اساسية لمعضلة الثروة النفطية التي تتبدد في اروقة الوزارات والبنوك دون ان يلمس المواطن العراقي اثرا لها ، كما ظهر على البعض امتعاض من الاتفاق ، لذلك من الواجب ايلاء تلك الاصوات ايضا الاذن الصاغية ومحاولة اشراكها في العملية التفاوضية لكي تكون على بينة من الاتفاقات الايجابية ووضعها في الصورة التي ربما كانت غير واضحة لها ، بدلا من تركها في تصورات ربما تكون بعيدة عن الواقع بسبب بعدها عن طاولة المفاوضات . واخيرا نأمل ان يكون النفط عاملا في استقطاب دول الجوار وتشجيعهم على تعاقدات واتفاقات في صالح العراق ، وان يكون التفاهم بين المركز والاقليم على الثروة النفطية اللبنة الاساسية في تفاهمات اكبر لتحقيق المزيد من التقدم والاستقرار في العراق وعاملا في القضاء على العصابات المجرمة التي تعيث في البلاد فسادا .
|