اثبتت جريمة قتل العشرات من عشيرة البونمر في محافظة الانبار ان (داعش) لايستثني احداً وانه ليس سنياً ولاشيعياً, انما هو تنظيم وحشي متخلف وسليل كل التيارات المتشددة المؤمنة بدمار الانسان والحضارة عبر التاريخ وأخرها تنظيم القاعدة. انه يتصور نفسه الفرقة الناجية الوحيدة على الارض ويؤمن بالفريضة الاسلامية السادسة المزعومة وهي فريضة الجهاد كركن سادس للدين. وعلى الارض ميدانياً فهو يضرب الرجال والنساء والاطفال والسنة والشيعة والعرب والكورد والتركمان والمسيحيين والايزيديين, ولكل جريمة تبرير معين نابع من اعتى الاراء الفقهية جهلاً وتخلفاً. لايجوز ان ننظر الى (داعش) الا من زاوية انه عدو البشر والتخلي عن تعميم الاتهام للمحافظات السنية ذات التواجد المكثف لعناصر هذا التنظيم. فهذه المحافظات ساخنة ومتأزمة ولها مطالبات حقيقية وواقعية من الحكومة الاتحادية منذ زمن طويل, ولعل هذا التراكم للمعاناة والاهمال الذي جوبهت به هذه المحافظات ابان الحكومة السابقة ادى الى مضاعفة توتر الوضع الامني وتردي الخدمات والشعور المتزايد بالاقصاء والتهميش, وكل ذلك شكل ارضية استثمرت من قبل (داعش) للولوج اليها والانتشار فيها قبل غيرها من البقاع. والحل لايكمن الا في حوار وطني يلغي كل سلبيات المرحلة الماضية ويطمئن المناطق السنية الى مطالبها وحقها في العيش الأمن والمستقر في دولة هي للجميع, وسرعة تشكيل الحرس الوطني من ابناء المنطقة لتعزيز اواصر الانتماء وترسيخ الشعور بالمسؤولية تجاه الارض والوطن. ان من السذاجة ان نفكر بعودة الاوضاع الى مجاراها السابق بمجرد محاربة (داعش) في هذه المحافظات فمهمة تدمير (داعش) ستنتهي أجلاً او عاجلاً, ولكن المهمة الاصعب اعادة الاطمئنان الى سكان المناطق السنية فهي المهمة الوطنية الكبرى لدى الحكومةالاتحادية الجديدة. ولايكون ذلك الا بمراجعة وغربلة الاجراءات السابقة وتوجيه اموال طائلة لاعادة الاعمار والبناء وتشكيل الحرس الوطني والجهاز الامني والعسكري من ابناء المنطقة لابراز قوة الهوية الوطنية العراقية الجامعة في مقابل الهوية الطائفية والمناطقية الضيقة. ان (داعش)حين يهدم مراقد الانبياء ويقضي على النصب والتماثيل ويدمر الكنائس. ويمنع بعض المناهج في المدارس والكليات ويقضي على الاثار والكنوز الفنية ويفرض النقاب على النساء ويغتصب النساء الايزيديات والمسيحيات فهو في ذلك يتخلى عن المنظومة القيمية الانسانية وعن مجمل تراث البشرية وعن قيم السنة والشيعة وكل الاديان, فالامر مختزل في حقيقة بسيطة وخطيرة في آن واحد, وهي ان (داعش) لايجوز ان نوفر له حاضنة في اية بقعة من الوطن وواقع الحال يقول ان اي تهاون في مكافحة (داعش) فكرياً واعلامياً وجماهيرياً وثقافياً وعسكرياً يعني تهيئة الارضية لانتعاشه وحصوله على حاضنة مؤقتة, وايضاً اي انزلاق الى ربطه بهذه الطائفة او تلك ستكون مغالطة كبيرة ندفع ثمنها غالياً. فإذا كان الوطن والشعب كله مستهدفاً يتحتم اذا ان يصطف الجميع ضد هذه الهجمة الارهابية الغارقة في الظلام والاجرام.
|