انشىْ مجلس حقوق الانسان في 15 مارس / اذار 2006 بقرار الجمعية العامة للامم المتحدة 251/60 ليحل محل لجنة حقوق الانسان . ويتألف المجلس من 47 دولة عضوا , وباقي دول الاعضاء في الامم المتحدة (146) دولة فهي دول مراقبة . وقد اعتمد المجلس الية جديدة لاستعراض حالة حقوق الانسان في كل دولة من دول العالم مرة كل اربع سنوات , سميت بالاستعراض الدوري الشامل، وتختصر الى ( UPR) وفقا للمصطلح الانكليزي (universal periodic review ) , الهدف منها هو تحسين وضع حقوق الانسان في جميع البلدان والتصدي لانتهاكات حقوق الانسان فيها , وقد استعرض المجلس تقارير جميع الدول في الدولة الاولى من هذه الالية والتي عقدت للفترة من (2008 – 2011 ) ومن بينها تقرير العراق الوطني الاول في الدورة السابعة من الجولة الاولى بتاريخ 16/2/2010 , وجرى اعتماد تقريره في 19/2/2010 ، وجرى اختيار المجموعة الثلاثية المرافقة لتقرير العراق والتي تسمى ( الترويكا ) والمؤلفة من ( البوسنة والهرسك ، والهند ، والمملكة المتحدة ) ، والتي تقوم بمهمة المقرر والتي يختارها الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل من خلال القرعة قبل كل دورة . فيما استعرض العراق تقريره الثاني المقدم للدورة العشرين من الجولة الثانية في 3/11/2014 , واعتمد التقرير في 6/11/2014 , وبمرافقة المجموعة الثلاثية المكونة من ( جمهورية مقدونيا اليوغسلافية السابقة , والامارات العربية المتحدة ، وبوركينا ماسو) . وتشمل الوثائق المقدمة للاستعراض على مايلي : - 1 . التقرير الوطني للدولة قيد الاستعراض ( معلومات مقدمة من الدولة ذاتها ). 2 . تجميع معلومات واردة في تقارير خبراء وافرقة حقوق الانسان والمعروفين بالمقررين الخاصين , او الهيئات المنشأة بموجب معاهدات حقوق الانسان , وكيانات الامم المتحدة الاخرى( معلومات الامم المتحدة ) . 3 . تجميع معلومات من اصحاب المصلحة الاخرين ومن بينهم المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان ( معلومات المنظمات الدولية غير الحكومية ). ويجري الاستعراض من خلال حوار تفاعلي بين الدولة قيد الاستعراض وغيرها من الدول الاعضاء في الامم المتحدة ، ويمكن لاي دولة ان تقدم اسئلة او تعليقات او توصيات الى الدولة قيد الاستعراض ، وتقدم الترويكا لاحقا بتجميعها في تقرير موحد منفصل يسمى ( تقرير النتائج ), وفترة الاستعراض لكل دولة هي ثلاث ساعات يعطى للدولة ساعة واحدة , وتمنح الدول الاخرى وبقية المنظمات الدولية غير الحكومية بقية الوقت . وفي غضون 48 ساعة من استعراض تقرير الدولة يقوم الفريق العامل باعتماد تقرير النتائج بشأن الدولة المستعرضة خلال نصف ساعة , وتتاح للدولة المستعرضة فرصة تقديم تعليقات دولية على التوصيات مع حقها في اختيار قبولها او رفضها ، وتدرج كل من التوصيات المقبولة والمرفوضة في التقرير ، وبعد اعتماد التقرير , يمكن للدول ان تدخل تحسينات في الصياغة على بياناتها خلال الاسبوعين التاليين . وتضطلع الدولة بمسؤولية دولية عند عدم تنفيذ التوصيات الواردة في النتائج النهائية. وعندما يحين الوقت للاستعراض الثاني لدولة ما فانه يتوجب عليها ان تقدم معلومات عما قامت به لتنفيذ تلك التوصيات المقدمة في الاستعراض الاول قبل اربع سنوات . ويقدم المجتمع الدولي المساعدة في تنفيذ التوصيات والاستنتاجات فيما يتعلق ببناء القدرات والمساعدة التقنية , بالتشاور مع البلد المعين . واذا ما اقتضت الضرورة يتصدى المجلس للحالات التي لم تبد الدول تعاونا فيها كما جرى مع اسرائيل . ويقرر مجلس حقوق الانسان التدابير التي يتعين اتخاذها في حالة ما اذا ثابرت الدولة على عدم التعاون مع الاستعراض الدوري الشامل . - معطيات اولية عن الاستعراضين اذا ما نظرنا الى استعراض العراق لتقريره الوطني امام مجلس حقوق الانسان في الجولتين الاولى 2010 والثانية 2014 , ويمكن تلخيص التالية لتتفح الصورة للقارى الكريم وهي : - 1 . جرى الاستعراض الاول في 16/2/2010 ، فيما جرى الاستعراض الثاني في 3/11/2014 . 2 . ترأس وفد العراق في المرة الاولى وزير حقوق الانسان السيدة وجدان ميخائيل، فيما ترأس وفد العراق في المرة الثانية السيد عبد الكريم عبد الله شلال ، وكيل وزارة حقوق الانسان , وتعذر حضور وزير حقوق الانسان أو وزير الخارجية. 3 . كان حجم وفد العراق في المرة الاولى ( 17 شخصا ) , في حين كان وفد العراق في المرة الثانية (29) شخصا، وهذا العدد الكبير يتعذر ادخاله الى قاعة مجلس حقوق الانسان . لان مقعد الدولة هو ( مقعد + واحد ) اي اثنان . وعلى المنصة الرئيسية في اكثر الاحوال ( 8 اشخاص فقط ) والمنصة السفلى ( 6 او 8 اشخاص ) , وهذا يعني اشغال بقية الوفد لمقاعد دول اخرى مجاورة لمقعد العراق كايران او ايرلندا او اسرائيل او مقاعد منظمات الدولية غير الحكومية , او مقاعد الصحفيين في نهاية القاعة ، او البقاء خارج قاعة المجلس، اضافة لما يكلفه من نفقات باهضة لوفد كبير كهذا في سويسرا. وكتقدير اولي يكلف كل شخص ما يقارب ( 25000 دولار ) تقريبا مع الفارق في الدرجة والمخصصات والاقامة. ولهذا فما زال العراق يتصدر قائمة اكثر الدول ايفادا في مجلس حقوق الانسان بعد وفد كل من الصين وروسيا وامريكا , في حين كان وفد مصر في نفس الدورة 15 شخصا من بينهم خمسة من اعضاء البعثة ، وهذا موضوع يحتاج الى دراسة منفصلة لكثرة تفصيلاته. وقد صرح الوزير السابق ذات مرة بان دائرة حقوق الانسان في وزارة الخارجية لم تنشأ الا لغرض الايفادات . 4 . ادلى (57 ) وفدا من وفود دول العالم بيانات في الحوار التفاعلي للاستعراض الاول للعراق ) , في حين ادلى ( 90 ) وفدا من وفود الدول بياناتهم في الاستعراض الثاني للعراق وهو رقم يقارب الضعف ، خاصة اذا ما علمنا ان الدول تنقسم الى دول منتقدة لسجل العراق في مجال حقوق الانسان وهي الاغلبية, ودول مجاملة وهي الدول العربية أو بعض الدول الصديقة ان وجدت وهي لا تزيد عن ثلث هذا العدد في كل الاحوال , مما يؤشر انتقادا واسعا لسجل العراق في هذا المجال . 5 . مثّل وزارة الخارجية في الاستعراض الاول رئيس دائرة حقوق الانسان السفير فارس زعراوي ، في حين غاب رئيس دائرة حقوق الانسان في وزارة الخارجية السفير حسن الجنابي عن الاستعراض الثاني . ومثل الوزارة السفير محمد صابر اسماعيل / الممثل الدائم للعراق في جنيف ( مواليد 1947 , دكتوراه في الفيزياء النووية ). 6 . كان مسؤول ملف حقوق الانسان في بعثة العراق الدائمة في جنيف اثناء الاستعراض الاول الدكتور رياض يلدا ( كاتب هذه السطور ) ، في حين كان مسؤول الملف في الاستعراض الثاني السيد عمر عواد , على الرغم من انه قد ظهر في تسجيلات المجلس اشخاصا اخرين من بعثة العراق على المنصة الرئيسية ولكن لم تدرج اسمائهم ضمن التشكيلة . 7 . كان مجموع التوصيات التي قدمتها الدول على تقرير العراق الاول (176) توصية , وعلى النحو التالي (135) توصية ( حظيت بتأييد العراق) اي قبلها العراق ، و ( 14 ) توصية قيد الدراسة ، اي سيقوم العراق بدراستها لاحقا وبيان الرأي بشأنها , و( 27) توصية رفضت ( لم تحظى بتأييد العراق ) لمخالفتها سياسة العراق وتوجهاته . في حين كان مجموع التوصيات على تقرير العراق الثاني (229) توصية سيدرسها العراق , اي حزمة واحدة دون اي تقسيم كما في السابق . 8 . اعطى المجلس للعراق مهلة لدراسة التوصيات وتقديم ردوده في الوقت المناسب في تقرير النتائج الذي سيعتمد المجلس في دورته الرابعة عشرة اي في ( تشرين الاول / اكتوبر 2012 ) في الاستعراض الاول (انظر تقرير المجلس (A/HRC/14/37. في حين قرر المجلس في الاستعراض الثاني , ان يقدم العراق ردوده عن كل تلك التوصيات خلال اربعة اشهر فقط , في موعد اقصاه اذار / مارس 2015 اثناء الدورة العادية 28 القادمة للمجلس , كما اعلن مندوب الامارات العربية المتحدة في المجلس الزميل سعيد الحبسي نيابة عن الترويكا . وهذه نقطة جديرة بالاهتمام , فامام العراق اربعة اشهر فقط للاجابة على (229 توصية) , يصعب تنفيذها أجرائيا وتشريعيا خلال هذه الفترة القصيرة حتى على اكثر الدول تقدما , خاصة اذا علمنا ان اجراءات الانظمام والتصديق لاتفاقية واحدة تستغرق عدة سنوات في مجلس النواب العراقي , نظرا لتعقيدات الوضع السياسي فيه . فكيف يمكن اقرار عدد كبير من هذه التوصيات التي تخص مسائل هامة خلال هذه الفترة القصيرة ، ومنها على سبيل المثال : - 1 . الغاء عقوبة الاعدام . 2. التصديق على البرتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية . 3 . التصديق على البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المراة . 4 . التصديق على البرتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب . 5 . الانضمام الى نظام روما المنشى للمحكمة الجنائية الدولية لمحايبة المسؤولين الحكوميين. 6 . ضمان ان تكون انشطة الميليشيات موافقة للقانون الدولي ، واجراء التحقيق في الانتهاكات المزعومة وتقديم المسؤولين الى العدالة . 7 . التحقيق في انتهاكات التعذيب المزعومة . 8 . حماية الاقليات والطوائف الدينية والعرقية كالمسيحيين واليزيديين . 9 . سحب قانون الاحوال الشخصية الجعفري . ان تقرير المجلس قد وضع العراق في زاوية حرجة ، ويبدو ان الجهود الدبلوماسية العراقية لم تنجح في التواصل مع المجلس واعضائه وسكرتاريه ومجموعة الترويكا , وكان على العراق ان يستغل فرصة (15يوما ) التالية على اعتماد القرار لغرض التوصل الى بعض التعديلات مع الدول واصحاب المصلحة حيث يمكن للدول وبعد اعتماد التقرير ، ان تدخل تحسينات في الصياغة على بياناتها خلال الاسبوعين التاليين ، والتي انتهت فعليا في 21/11/2014 . - خطة الدفاع في الاستعراضين عادة ما تضع الدولة المعنية خطة دفاعها قبل استعراض تقريرها . وتتيح اجراءات المجلس للدولة المستعرضة فرصة لتقديم تعليقات اولية على التوصيات مع حقها في اختيار قبولها او رفضها . وهكذا فقد اعتمد العراق في الاستعراض الاول خطة دفاع تمثلت في قبول القسم الاكبر من التوصيات والاستمرار لدراسة عدد اخر ، ورفض العدد المتبقي من التوصيات كما سبق في اعلاه . الآ ان الملاحظ في الاستعراض الاخير لهذا العام ، فقد بدا الفريق يعمل بدون خطة واضحة بدليل انه لم يجري تقسيم التوصيات بل جرى التعامل معها كحزمة واحدة . وكان امام العراق عدة خيارات منها :- - كان من الضروري ان يتضمن تقرير العراق الوطني (التحديات والقيود التي يواجهها) بصدد تنفيذ تلك التوصيات واولها الارهاب واللاجئين والنازحين داخليا، والفساد, وهي كلها عوائق كبيرة امام العراق ، الآ ان تقريره خلا من ذلك بشكل واضح , وهذا ما فعلته ايران في تقريرها A/HRC/WG.6120/IR/1 . - وكان من الممكن ايضا التركيز اولا على التوصيات التي جرى تنفيذها من قبل العراق منذ الاستعراض الاول, كما فعلت كازاخستان ودول اخرى في نفس الدورة. - كما كان من المهم التاكيد على عدم تاييد العراق لعدد من التوصيات التي لا تنسجم مع النظام العام في العراق والوضع الراهن والتي ضمنها العراق في تقرير المجلس في الاستعراض الاول, مثل الغاء عقوبة الاعدام التي سبق للعراق وان لم يؤيد هذه التوصية لمبررات امنية تتعلق بالارهاب المتفشي في العراق . كما ان المهلة الممنوحة للعراق قد تقلصت الى اربعة اشهر فقط ، والاصل ان تقدم الدول على تنفيذ تلك التوصيات خلال فترة اربع سنوات ، وقد اوضح تقرير العراق الوطني تنفيذ العديد من تلك التوصيات السابقة , الآ ان المجلس باغلبية اعضائه بات مقتنعا ان تنفيذ تلك التوصيات لم يجري بشكل صحيح على ارضع الواقع . - وكان من الممكن للعراق في رأينا، ان يطالب بتاجيل مناقشة تقريره نظرا للظروف الصعبة التي يمر بها حيث ان الارهاب بات مسيطرا على عدة محافظات باكملها, لحين ان تنجلي الصورة بشكل واضح, لا سيما وان هناك سابقة لدى المجلس في هذا المجال تتمثل في تاجيل مناقشة تقرير هايتي من 11/ايار/مايو/ 2010 الى 13 تشرين الاول / اكتوبر 2011 بسبب الزلزال الذي ضربها في 12/1/2010 . الا ان الدبلوماسية العراقية قد اخفقت ثانية في التواصل مع المجتمع الدولي , وفي التعامل مع اجهزة الامم المتحدة وخاصة في مجال حقوق الانسان , وستشهد الدورة القادمة للمجلس على صعوبة ايفاء العراق بالتزاماته في هذا المجال وعدم قدرته على تنفيذ هذا العد الكبير من التوصيات , وسيكون امام المجلس اتخاذ مايراه مناسبا في تلك الحالة.
|