تقهقر المجتمع المدني العراقي


يعاني المجتمع العراقي ومنذ اكثر من نصف قرن مشكلة الخلل البنيوي لتركيبة المجتمع المدني. فقد كان للنزوح الاضطراري لمجاميع كبيرة من ابناءالريف الى بغداد في نهاية العهد الملكي ومن ثم توطينهم داخل بغداد عقب التغير الجمهوري اثر كبير في تغيير اسلوب حياة المدينة ودخول عادات واعراف كان التعامل بها في بغداد اشبه بالمعدوم ثم لحق بعد ذلك نزوح كيفي نتيجة التطور الاقتصادي الحاصل على جماعات من المحافظات الغربية والشمالية الى بغداد ليؤكد بعض من هذه الثقافات الجديدة ويؤسس عادات واعراف اخرى لم تكن تالفهابغداد من قبل وبسبب عدم ادراك الحكومات المتلاحقة للتاثير السلبي لهذه الامواج البشرية النازحة الى بغداد تدهور المجتمع المدني البغدادي خصوصا والعراقي عموما ولم يستطع المجتمع البغدادي ان يغير من المفاهيم السلبية للمجتمعات الريفية والبدوية النازحة اليه ولم تضف اليهم بغداد الا قشور الحضارة الزائفة وتوالت الازمات نتيجة السياسات العامة الخاطئة والتي يحتاج علاجها الى عقول مليئة بالقناعات البدوية والريفية التي تؤمن بالقوة ولا شيئ غير القوة لحل الازمات وهكذا انكفا دور المدنية واستشرت العصبيات وانعكست هذه القناعات على الشارع العراقي وعلى التعاطف باقامة دولة قانون في اليلاد وكانت دولة تحكمها الاجتهادات .ازداد الوضع المدني العراقي سوء بعد الاحتلال الامريكي وتغيير نظام الحكم فقد بسط الاسلام السياسي نفوذه داخل البلاد عموما وبغداد على وجه الخصوص مستغلا الفراغ السياسي الحاصل ولما كان الاسلام السياسي فاقدا لادواته الفكرية الرصينة القادرة على محاكات العقل المتمدن وجدت ضالتها في المجتمعين الريفي والبدوي حيث لا يحتاج انتشار الفكر فيها الى طرح ايدلوجي بل يكون الانتماء متوارث اوجزء من الولاء وقد استفاد طرفي النزاع داخل تيار الاسلام السياسي العراقي منها في البقاء داخل الساحة السياسية واستلام مقادير الامور والتي دفع ثمنها مجددا المجتمع المدني العراقي واصبح في غيبة شبه كاملة كماادت احداث العاشر من حزيران وماتلاها من تصعيد خطير الى اعتماد كافة الجهات الرسمية وغير الرسمية الى الوجود العشائري في المواجهة لكسر شوكة تنظيم الدولة الاسلامية وقد يكون هذا الامر من ضمن التكتيكات التي تتبعا القيادات العسكرية كاسلوب لتحقيق الانتصار بعد موافقة القيادة السياسية .انني في الوقت الذي اتالم لكل قطرة دم تسيل من اي مواطن اتسائل هل وضعت الدولة في حساباتها كيفية الحد من دور العشائر بعد انتهاء الازمة وكيفية اعادة الحياة الى المجتمع المدني وبث الروح فيه وخلق خطوط تواصل حضارية بين المدينة من جهة والريف والبداوة من جهة اخرى لاخذ بيد هذه المجتمعات الى شاطئ المدنية والتحضر وايقاف التقهقر الذي يصيب المجتمع المدني العراقي