وضعت حرب الإنتخابات النيابية في البحرين أوزارها يوم امس السبت (22 نوفمبر) وسط إدعاء كل من السلطات والمعارضة بتحقيق نصر فيها. فقوى المعارضة البحرانية التي قاطعت الإنتخابات أعلنت أن قرابة ال 70٪ من الناخبين لم يدلوا بأصواتهم في صناديق الإقتراع في أول انتخابات نيابية وبلدية تجرى في البلاد منذ انلاع الحراك الشعبي فيها منذ فبراير 2011. واما السلطات فادعت بان 51,5٪ ممن يحق لهم التصويت شاركوا في الإنتخابات. إلا انه وبالرغم من عدم امكانية التحقق من صدق ادعاءات الطرفين , إلا أن التقارير والصور المسربة لمراكز الإقتراع في أغلبية المراكز الإنتخابية وخاصة تلك التي تقطنها أغلبية شيعية,تظهر انها لم تشهد اقبالا ملموسا على صناديق الإقتراع. فالقوى السياسية التي تمثل الشيعة الذين يشكلون أغلبية سكان البلاد(70٪ من السكان) أعلنت مقاطعتها للأنتخابات ونظمت بعض فصائلها بدلا من ذلك تصويتا بديلا وبالتزامن مع اجراء الإنتخابات,و يتمحور حول استطلاع رأي البحرانيين في تقرير مصيرهم, بإشراف من قبل هيئة الأمم المتحدة. ومن ناحية اخرى فإن الأرقام التي اعلنتها السلطات تثير شيئا من الريبة, إذ تكشف عن رغبة السلطات في تسويق ادعائاتها بانها تحظى بتأييد أغلبية بسيطة من الشعب تكفي لإضفاء شرعية عليها.ومن جانبها فقد أعلنت القوى المنظمة للأستفتاء الشعبي عن بدء عملية العد والفرز وستعلن النتائج حال الإنتهاء منها. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو ماذا بعد الإنتخابات؟ وماهي خيارات السلطة والمعارضة للخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد والتي توشك ان تدخل عامها الخامس على التوالي؟ لاتبدو السلطات في عجلة من امرها لإنهاء الأزمة, فهي تمسك بخيوط اللعبة في البلاد عبر هيمنتها على كافة مفاصل الدولة, واتباعها لسياسة القبضة الأمنية في قمع الحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية. وكذلك لاتبدو السلطات آبهة للمجتمع الدولي, فهي تحظى بدعم من لدن الدول الكبرى وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. فبريطانيا تربطها علاقات تاريخية وثيقة بعائلة آل خليفة الحاكمة ولديها مصالح اقتصادية وعسكرية معها, واما الولايات المتحدة الامريكية فتتخذ من البحرين مقرا لأسطولها الخامس. وهو مايفسر عدم اكتراث السلطات لنداءات المنظمات الحقوقية الدولية كمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والتي تدعوها لإحترام حقوق الأنسان, ووقف الإنتهاكات والتضييق على الحريات الأساسية, التي أقرتها المواثيق والعهود الدولية, وخاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والميثاق الأممي لحقوق الإنسان. فلازالت السلطات ترفض الإفراج عن أكثر من ثلاثة آلاف معتقل سياسي فضلا عن قادة ورموز الثورة المعروفين بمجموعة البحرين 13, ولازالت مستمرة في سياسة سحب الجنسية من المواطنين وفي اصدار الأحكام ضد الناشطين.والسلطات تستمد القوة والدعم من العربية السعودية التي ارسلت قواتا عسكرية في مارس من العام2011 لقمع الحراك الشعبي في البلاد وللدفاع عن نظام حكم عائلة آل الخليفة اللآيل للسقوط حينها.
ولذا فإن خيارات السلطة بعد فشلها في إرغام المعارضة على المشاركة في الإنتخابات, تبدو تتحرك في اتجاهين وفقا لسياسة العصا والجزرة. فهي من ناحية ستستمر في اجرائاتها القمعية وفي تشديد قبضتها الأمنية ومن ناحية أخرى فإنها ستفتح قنوات للحوار مع الجمعيات السياسية المعارضة. وستضع جدولا زمنيا لا يتجاز العام للخروج من الأزمة واقناع المعارضة بالمشاركة في العملية السياسية مقابل تقديم بعض التنازلات التي يتوقف حجمها على التطورات الإقليمية. فالبحرين اليوم هي ساحة من ساحات الصراع والمنافسة بين المحور السعودي والإيراني. الا انه وبالرغم من انها ليست ورقة قوية بمستوى الورقة العراقية أو السورية أو اللبنانية أو اليمنية, إلا ان انتصار أي من المحورين فيها سيشكل ضربة معنوية للمحور الآخر. ومن جانب آخر فإن الحل في البحرين رهن ايضا بجملة من القضايا الدولية وخاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني. اذ ان أي توافق حول هذا الملف بين ايران وجموعة 5+1 سيفتح الباب على مصراعيه امام توافقات في ساحات الصراع المختلفة في المنطقة. ولاشك بان مثل هذه التوافقات لا تصب في مصلحة المحور السعودي وهو مايفسر القلق السعودي من ابرام اي اتفاقية بهذا الشان بين ايران ومجموعة الدول تلك. وهذه الحقيقة تعيها فصائل المعارضة البحرانية المنقسمة بين فصائل تدعو لإسقاط النظام وتمثلها القوى الثورية أبرزها ائتلاف شباب ثورة الرابع عشر من فبراير وحركة أحرار البحرين وحركة (حق) وتيار الوفاء الإسلامي وخلاص. فهذه القوى لا تعول على التطورات الإقليمية أو الدولية لإحداث تغيير في البلاد وتعتقد بان لا خيار لها سوى إسقاط نظام الحكم في البحرين, الذي تعتقد بانه عصي على الإصلاح بعد ان تفرد بإدارة البلاد ومواردها طوال اكثر من قرنين من الزمان. وهي ترى بان أسقاط النظام أيسر بكثير من اصلاحه بل انها ترى الإصلاح مستحيلا. وهي تنطلق من حقيقة أن الإصلاح يتوقف على ارادة العائلة الحاكمة التي تمتلك الموارد اللازمة لتحقيقه, غير أنها لم تبد أي رغبة في تحقيق اصلاح بسيط ولو على صعيد تعديل الدوائر الإنتخابية مثلا والتي تعطي الموالين ثقلا انتخابيا اكبر من ثقل المعارضين. بل انها عدلت الدوائر الإنتخابية بما يعزز قوة الموالين. ولذا فيبدو الإصلاح مستحيلا مع غياب ارادة العائلة في تحقيقه. فيما يبدو اسقاط النظام ممكنا بنظرها لوجود ارادة لدى الداعين له , ولكن وقوعه يتوقف على موازين القوى التي تميل لصالح النظام, غير أن هذا لايبدو مانعا لتلك القوى من الإستمرار بمشروعها الإسقاطي الذي يبدو غير واقعيا, فهي ترى بان عليها أن تعمل لتحقيق هدفها مهما عظمت التضحيات وطال الزمن. وهي ترى أن سقوط النظام ربما يتحقق خارج نطاق الحسابات الآنية وتضرب مثلا لذلك بسقوط نظام صدام حسين في العراق وغيره من الأنظمة العربية والذي فاجأ الجميع. ولذا فان هذه القوى ستستمر في مشروعها الثوريةخلال المرحلة المقبلة.
وأما الجمعيات السياسية المعارضة والتي تراهن على اصلاح النظام وتدعو لنظام ملكي دستوري فلا يبدو أنها نفضت يدها من النظام, بالرغم من التصريح الذي أدلى به يوم أمس الشيخ علي سلمان رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية كبرى جمعيات المعارضة في البلاد, والذي قال فيه بأن" جميع الخيارات مفتوحة للأسف" وهو مافسره مراقبون بتخلي الوفاق عن نهجها السلمي الذي اتبعته طوال السنوات الماضية. الا انه لاتبدو بوادر في الأفق تشير الى تخلي الوفاق عن نهجها السياسي بل انها ستستمر في طرق ابواب النظام من اجل الوصول الى توافق وطني. وبعد ان اصبحت اللعبة اليوم مكشوفة فإن كلا من الوفاق والنظام يعيان بان أي توافق رهن بالتطورات الإقليمية والدولية. ولم يعد التوافق خيارا بحرانيا خالصا بل يخضع للتجاذبات الإقليمية والدولية سواء على صعيد المعارضة او النظام. ولذا فإن مساحة تحرك كلا الطرفين اي الجمعيات المعارضة والنظام تبدو محدودة,وستظل الأزمة البحرانية تراوح مكانها بانتظار جلاء الغبرة في ساحات الصراع الإقليمية الأخرى .وفي حال الوصول الى حلول وسط تحظى بمباركة اقليمية ودولية فمن الممكن أن يصدر حاكم البلاد حمد الخليفة مرسوما بحل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات نيابية جديدة تشارك فيها فصائل المعارضة وبغير ذلك فإن هذا المجلس الذي ستنبثق عنه الإنتخابات سيظل هامشيا كسابقه لا لون له ولا طعم ولا رائحة.
|