مطالب انتفاضة ربيع 2011 والتقشف

لست ممن يتناسون المقولة العظيمة “تذكروا حسنات موتاكم”، والفطن يدرك بان هذه المقولة من السعة بحيث يمكن لها شمول المسؤولين السابقين، فبقدر ما يكون المرء منصفاً في عدم استسهال التعرض لمن فقد السلطة، وموضوعياً في تناول نواقصه وذكر محاسنه، بقدر ما يكون قد التزم حدود الأخلاق والموضوعية في تحري اسباب المشاكل، وليس استسهال شخصنتها.
وكلنا يذكر الانتفاضة السلمية في ربيع 2011 لجماهير القوى المدنية الديمقراطية وقوى إسلامية معنية بالمسحوقين، ووجود من “في نفسه غرض” أيضاً، وكانت ابرز الشعارات تطالب بمحاربة منهجية جادة شاملة للفساد، وتوفير فرص حياة لائقة في معالجة البطالة وتوفير الخدمات، ومعالجة الهوة “الساحقة” بين رواتب الموظفين وكبار المسؤولين، ووضع قواعد أو تقاليد للتبادل السلمي للسلطة في عدم التمسك بها لفترات طويلة حتى من قبل الطرف الذي يحظى بأغلبية نيابية، بجانب معالجة موضوعية للمشاكل بين المكونات عموماً، وبين بغداد والإقليم خصوصاً، وكل الحرص على إنهاء معاناة “اخوتنا” في المحافظات الساخنة.
حالياً نواجه مشكلة كبيرة في الانخفاض الحاد في عوائد تصدير النفط، والحديث عن التقشف مطلوب وفق اسس واضحة، ليس بإلقاء الأعباء على المسحوقين، إنما منهجاً متكاملاً، في مقدمته تلبية المطلب الشعبي المشروع في إعادة النظر في سلم الرواتب، بحيث تُنصف الشرائح الدنيا بتعديل رواتبها للأعلى، وحسم بمعدل لا يقل عن 33% من رواتب الشرائح العليا بشكل تصاعدي ليصل إلى ما لا يقل عن 50% من رواتب الشريحة الأعلى، ومعالجة الوضع الأمني للتخلص من حجم حمايات المسؤولين المتضخم.
وهذه المطالب لا تعني الاستهانة بالمهام التي يؤديها قادة الدولة، او عدم الوعي بالمخاطر التي يتعرضون لها، لكن الأنطلاق من أن هذه الشريحة قد “نذرت” نفسها للعمل العام وتقديم نفسها “أضاحي” لبناء وطن عصي على عودة أي شكل للشمولية. إن الأحترام الكبير لمتصدري العمل الوطني يستدعي وضعهم وفق السياقات المتعارف عليها عالمياً، فليست في العالم فروقات في رواتب المسؤولين تتجاوز الـ6 أضعاف بالنسبة لقمة الهرم الوظيفي، كما أن معدلات رواتب التقاعد لا تزيد على معدلات تترواح ما بين 4- 6 اضعاف لمن استحقها وفق قانون الخدمة، وهو الأمر الذي ينبغي ان تتحسب له الرئاسات الثلاث للدولة وتعجل معالجة شاملة لسلم الرواتب، يمكن بدأها من تمرير قانون “تقليص” رواتب الدرجات الوظيفية العليا، مع تطبيقه ليشمل السادة النواب، بعد إعادة عرض القانون على البرلمان، الذي اعترضت عليه الحكومة السابقة وعطلته.
إن كل الضجة التي تثار بشأن تعيين بعض الموظفين العامين وتوظيفها من ذوي النوايا “الحسنة” للتعرض لرموز وطنية، يمكن غلق بابها نهائياً بتطبيق مطالب انتفاضة 2011 بشأن الرواتب، بانصاف المسحوقين، بجانب تحرير القطاع الخاص من قيود بيروقراطية الدولة الشمولية ودعمه على اوسع نطاق ليوفر فرص عمل “افضل” وليس “مجالس” بطالة وظيفية.