أنغلقوا .. حكموا على انفسهم بالأنهزام

أذكر أن من أجمل ما قرأت عن الامبراطور المغولي الكبير جنكيز خان والذي حكم واحدة من أكبر الامبراطوريات في التاريخ حيث أمتدت من المحيط الهادي شرقا وحتى بحر قزوين غربا أنه كان متسامحا مع أتباع الاديان المختلفة فكان من ضمن أتباعه وخواصه مسلمين ومسيحيين وغيرهم من اتباع ديانات وعقائد اخرى وانهم كانوا يعاملوا تحت حكمه معاملة متساوية قياسا بغيره من حكام الدول والممالك القائمة أنذاك ولعل هذا الانفتاح على الاخر وقبوله واحتوائه وبالاضافة إلى عوامل أخرى قد أسهمت في أنتصاراته العظيمة وحققت له كل تلك الفتوحات الكبيرة ، أن قراءة سريعة لتجربة ذلك الامبراطور الكبير وخصوصا ونحن نعيش اليوم في عصر التخندقات والاصطفافات حيث أن أغلب المجاميع العرقية أو الطائفية و التنظيمات الارهابية صارت تنغلق على نفسها وترفض حتى مجرد قبول فكرة وجود الاخر تعطينا درسا هاما وكبيرا ، فالقوي وحده هو من ينفتح على الاخر لانه لا يخشى أي شيء مادام واثقا بنفسه ، وكلما كان الانسان منفتحا على الاخر سواء أكان هذا الاخر ثقافيا أم عرقيا أم دينيا أم غيره كلما كان أقدر على مواجهته ، ولعل هذه النقاط تقودنا إلى سر الانغلاق على النفس الذي تقوم به أغلب الجماعات الارهابية في العالم وخصوصا تلك التي تتبنى الخطاب الاسلامي التكفيري المتطرف والتي تستقي الغالبية العظمى منها أفكارها من الفكر الوهابي الصحراوي كداعش والقاعدة وبوكو حرام وغيرها فترى كل جماعة منها في أفكارها الخير كل الخير ولا ترى في الاخر الا شر مطلق مهما كان هذا الاخر قريبا منها سواء أكان من نفس الديانة أو المذهب او حتى الطريقة التي تتبعا هذه المجموعة ، فما دام لديه عقل يجرؤ على التفكير ولسان يقوم بأي شكل من أشكال الاعتراض أو التشكيك على أي مسألة في المنهج الذي تتبناه تلك الجماعات فالويل والثبور وعظائم الامور فأما انا واما انت ولا حكم بيننا غير السلاح ، وهنا يطرح سؤال ما نفسه : لم كل هذا الخوف من أي أختلاف في الرأي أو وجهات النظر مادمت واثقا بفكرك وأرائك ؟ ، أن الأنغلاق وفق لبعض التحليلات النفسية ما هو الا علامة من علامات الخوف ، فأذا خاف أنسان ما مما حوله أنغلق على نفسه كي لايحصل بينه وبين ما يخاف منه أي أحتكاك ، وكذلك الامر بالنسبة لتلك الجماعات ، فأفرادها – ويمكن تقسيمهم هنا إلى مجموعتين – فأما المجموعة الاولى منهم فهم في حقيقة الامر لا يؤمنون بأفكارهم التي يدعون بها وانما دفعهم لتبنيها عدة عوامل ساقتهم إليها سوقا لذلك أصبحت هذه افراد هذه الجماعة وبمرور الزمن ميالين للعنف ونسف الاخر حتى تطبع الكثير من أفرادها بطبائع العنف والدموية والانقياد للاوامر مادامت لاتجلب عليهم المخاطر المحققة مهما كان من يصدرها . أما بالنسبة للاخرين منهم فأنهم ولشدة جهلهم ولتراكم بعض العوامل النفسية والاجتماعية التي رافقت نشئتهم فانهم يؤمنون بما يفعلون ويعتقدون بأنه الصواب ولا ريب لديهم في ذلك ، وهولاء يرون أن لهم الحق في الوصاية على تفكير الاخرين وفي رسم نمط الحياة التي يرتأوها لهم ، وهولاء أنما هم من ضيقي الافق وشذاذه وهم جهلة يتحكم بهم افراد الجماعة الاولى ويسخرونهم لمصالحم كيفما تكون وأولئك عادة ما يخضعون لجهات أخرى لا تظهر في العلن . ولذلك نلاحظ بأنهم يقبعون بأقصى درجة الانغلاق على النفس ورفض الاخر على الرغم من أن ذلك سيقود إلى فناء المجموعة التي ينتمون إليها ويوردها مورد الهلاك لانه ومهما طال امد الانغلاق فأنه ولاريب أن يجيء ذلك اليوم الذي تفتح فيه أحدى النوافذ فتحرق أشعة الشمس خفافيش الظلام .