في زيارتي الأخيرة الى عمان , الأردن لاحظت كثرة المصنوعات المقلدة المعروضة في أسواق المملكة . المصنوعات المقلدة كانت عبارة عن ملابس واحذية وحقائب النسائية وبالتأكيد هناك مواد مقلدة لكثير من الصناعات الأخرى. كانت هناك ملابس مختومة بختم نايكي وهي ليست صنع نايكي وهناك ملابس مختومة بختم بولو وهي ليست من صنع بولو. لا خطر على صحة لابسيها ولكن الخطر عندما يقلد معجون الاسنان ويحشى بمواد مضرة بالبدن . احد موظفي الأمم المتحدة ذكر ان المواد المقلدة أصبحت تشكل مشكلة صحية حول العالم . لقد ذكر ان مرض الملاريا قد قضى على حوالى نصف مليون من البشر . هذا المرض من الممكن الشفاء منه لو استخدم الدواء الحقيقي , الغير مغشوش له. الموظف ذكر أيضا , ان هناك دواء للسعال يحتوي على مواد سامة اكتشف في بنما , غذاء أطفال الرضع مخلوط بجراثيم قاتلة وجد في الصين ,ووجد وبودر يستعمل لعلاج الاسنان مخلوط بمواد سامة في نيجيريا . التجارة بالمواد المقلدة والمغشوشة تشمل قائمة كبيرة منها السكائر , شامبو غسل الراس , الصابون , الروائح والعطور , مواد تنظف الاسنان , أدوات الحلاقة , ادوية علاج السرطان , الايدز , الملاريا , امراض هشاشة العظام , السكري , ضغط الدم , امراض القلب , الكولسترول , الحلويات , القهوة الجاهزة , أجزاء السيارات , أدوات الالكترونية , وأجزاء الكمبيوتر , ساعات , مجوهرات , زجاجيات , والالاف من المواد الأخرى . لقد أصاب مرض الغش والتقليد جميع الصناعات بغض النظر عن الإجراءات العملية والقانونية التي تتبعها الحكومات لمحاربتها. الصناعات المغشوشة والمقلدة اثرت تأثيرا سلبيا على البحوث والتطوير , الاستثمارات الأجنبية , وعلى الايدي العاملة في الدول المصنعة للمواد الاصلية . المجموعة الاوربية وحدها خسرت ما يقارب 2.5 مليون فرصة عمل , تقليص في حجم الضرائب , و تكاليف محاربة البضائع المغشوشة والمقلدة والتي بلغت بما يساوي 62 مليار يورو سنويا. على ضوء ما جاء في اعلان السيد افن روثمن في مجلة بلوم برك الامريكية , ان حجم التجارة العالمية من المواد المقلدة قد بلغت نصف ترليون دولار او 2 الى 7 % من قيمة التجارة العالمية , وهو مبلغ يساوي صادرات الدول العربية مجتمعة . عمليات تقليد البضائع أصبحت مقلقة للمستهلكين , الشركات المنتجة , والحكومات . المستهلك اصبح لا يعرف عن جودة ما يشتريه وما يحتويه , ناهيك عن قيمته الحقيقية . أصحاب مصانع المنتوجات الحقيقية يخسرون حصتهم من البيع والربح , الإساءة الى ماركة الإنتاج و سمعة المنتجين . الحكومات أيضا أصبحت ضحية الغش والتقليد من جهتين: تقليص الموارد الضريبية من جهة وزيادة في مصاريف محاربة ظاهرة الغش والتقليد وتأثيراته السلبية على صحة المواطن. هناك خوف مشروع من استعمال المواد المغشوشة والمقلدة على المواطن والاقتصاد الوطني العراقي في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية والامنية الغير طبيعية في البلد . هذه الحالة خلقت ظروف خصبة لازدهار تجارة المواد المغشوشة والمقلدة في العراق . من جهة الطلب , المواطن العراقي وبسبب ضغط الظرف الاقتصادية اصبح يرحب بالمواد الرخيصة بغض النظر عن جودتها او تأثيرها الصحي او مخاطر استعمالها . لقد لاحظت في زيارتي الأخيرة الى بغداد ان الصيدليات تبيع الدواء ومهما كانت وظيفته بدون وصفة طبيب ! وسيكون المراجع سعيدا جدا اذا كانت أسعار الدواء أسعار مقبولة . هناك صيادلة من له الشرف وحب الخير واحترام ادمية الانسان ولا يقبل ببيع الدواء المغشوش , ولكن بدون شك هناك من لا يحترم مهنته ويقبل ببيع الادوية المغشوشة لغرض الكسب الحرام . بطبيعة الحال , تزدهر تجارة المواد المغشوشة في ظل غياب المراقبة الحكومية و عدم وجود القوانين الرادعة . وهكذا أصبحت المواد المغشوشة والمقلدة متوفرة في جميع مراكز التسوق العراقية. من جهة عرض السلع المغشوشة والمقلدة , هناك اكثر من سبب لضعاف النفوس في اغراق الاسوق العراقية بهذه السلع . على راس الأسباب هو الأرباح الطائلة التي يستطيع المتاجرين بالمواد المغشوشة جمعها . البضاعة المستهلكة او التي انتهت صلاحيتها يصبح محلها القمامة وسيكون منتج هذه البضائع سعيدا بالتخلص منها بدون دفع كلفة ازلتها او نقلها الى أماكن جمع النفايات . بعض التجار و من ليس له ذمة او ضمير يأخذ على عاتقه إزالة هذه البضائع المستهلكة (النفايات ) وتصديرها الى العراق . لقد اكتشفت جهات المراقبة , لحوم غير قابلة للاستهلاك البشري , شاي انتهى فترة استعماله , ادوية منتهية الصلاحية او مجهولة المنشئ , معلبات خضر وفواكه , ودهن طبخ فاسد . بدون شك هناك المئات من المواد المغشوشة يجب على الحكومة البحث عنها وثانيا تثقيف الناس عن مخاطر استعمالها. غياب القوانين الصارمة والمراقبة المشددة سوف تساعد كثيرا على ازدهار سوق المتاجرة بالسلع المغشوشة او المقلدة . لكل عمل له ثناء او عقاب. لا نتوقع من الاخيار الا العمل الصالح وتجنب اضرار البشر , ولكن عندما تكون احتمالية المنفعة من العمل الضار الكثر بكثير من احتمالية العقاب عليه, فان الأشرار سوف يختارون طريق الشر خاصة وان عملهم هذا لا يحتاج الى تكنولوجيا معقدة او رأسمال كبير . العراق يعتبر الان المكان الأفضل لترويج البضائع المغشوشة والعصر الذهبي لتجار الحرام . غياب المراقبة الحكومية سهل تسويق البضائع الى أي نقطة في العراق . تجد المواد المغشوشة في الانبار والنجف , في الديوانية والبصرة , في العمارة وديالى . وطالما وان التجارة تتركز على المواد الاستهلاكية فان من السهل على التجار تمرير بضائعهم الفاسدة على المستهلك الذي لا يكترث كثيرا بقراءة تاريخ انتهاء الصلاحية المكتوب على البضاعة . نعلم ان الحكومة منهمكة بحرب داعش واضعتا جميع امكانيتها خلف القوات المسلحة البطلة و نعلم ان انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية اخبار غير سارة على صناع القرار و لأغلب ابناء العراق ,ولهذا يجب على البرلمان العراقي , مؤسسات المجتمع المدني , الأحزاب السياسية , ورجال الدين مساعدة الدولة العراقية و التحرك السريع للقضاء على ظاهرة بيع البضائع المقلدة والمغشوشة لان تأثير هذه الظاهرة على الموطن والبلد لا تقل عن اضرار داعش . داعش يقتل المواطن في المدن المضطربة ولكن المواد الفاسدة تقتل المواطن حتى في المدن الامنة , داعش يقصف المدن الرافضة لتواجده وهكذا يكون الأطفال ضحية للقصف ولكن المواد المغشوشة تقتل الأطفال في البيوت البعيدة عن القتال . الصين , المصدر الأول للمواد المغشوشة والمقلدة في العالم , لا تستطيع وحدها محاربة الغشاشين , وبدون مساعدة المواطن , القوانين الصارمة , والمراقبة الصارمة للأسواق العراقية فان العراق سيشاهد داعش جديد بعد داعش , في هذه المرة مافيات الجريمة المنظمة.
|