بغداد في ذكرى تأسيسها الـ (1250) .. أطلال على تاريخ زاهر وواقع مؤلم زاده السياسيون والإحتلال إيلاما

بغداد - تكافح العاصمة العراقية بغداد وهي تحتفل بالذكرى 1250 عاما على تأسيسها، لإستعادة بعض من بريق ماض رسخ لها مكانة مرموقة في التاريخ الاسلامي والعربي قبل ان تمحوه صراعات لم تتوقف فيها منذ عقود.

وتبدو بغداد اليوم بسبب اعمال العنف التي قتل فيها عشرات الآلاف من أهلها منذ عام 2003 وحتى اللحظة الحالية، عبارة عن وعاء اسمنتي كبير حيث تنتشر في شوارعها الحواجز الاسمنتية والاسلاك الشائكة التي تحيط خصوصا بمبانيها الحكومية ومقرات الوزارات والمصارف خوفا من السيارات المفخخة. وتضفي هذه الجدران الاسمنتية طابعا من الكآبة على العاصمة التي يسكنها نحو ستة ملايين نسمة وتحمل معظم مناطقها ملامح البؤس والافتقار الى الخدمات الاساسية.

ومشاهد الخراب لا تقتصر على ذلك، حيث أن المرارة الحقيقة والخراب الأكبر أن تمر هذه الذكرى مرور الكرام بالنسبة لحكامها الذين يتفق الجميع على أن سلم أولوياتهم لا يحفل بمناسبة تاريخية مثل هذه، بل أنه لا يحفل بالمدينة نفسها التي تعاني الأمرين اليوم.

ومن المعلوم أن بغداد بناها الخليفة العباسي المنصور من عام 762 للميلاد إلى عام 764 للميلاد في العقد السادس من القرن الثامن الميلادي الموافق للقرن الثاني الهجري، واتخذها عاصمة للدولة العباسية، حيث أصبح لبغداد تحت حكمهم مكانة مرموقة، وكانت من أهم مراكز العلم على تنوعه في العالم وملتقى للعلماء والدارسين لعدة قرون من الزمن.

وتكمن أهمية موقع بغداد في توافر المياه وتناقص أخطار الفيضانات مما أدى بدوره إلى اتساع رقعة المدينة وزيادة نفوذها إلى جانب سهولة اتصالها عبر دجلة بواسطة الجسور التي تربطها بالجانب الأيسر من النهر.

ولمدينة بغداد القديمة أسماء عدة كالمدينة المدورة والزوراء ودار السلام. يخترق وسط المدينة نهر دجلة، وينصفها إلى جزئين الكرخ (الجزء الغربي) والرصافة (الجزء الشرقي).

ويبدو واقع المدينة، التي مر عليها غزاة وطغاة من مختلف الأقوام، في أتعس صوره، فالمدينة تحتل مراكز متقدمة في قوائم الدول الفاشلة في مختلف التخصصات، وهي اليوم مدينة شاحبة، تنتشر أحياء الفقراء في مركزها وعلى أطرافها على حد سواء. فيما تنتشر سيارات فارهة هي حصيلة الرابحين الحقيقيين من إحتلال العام 2003، وهؤلاء بمجملهم التحقوا بهذه الصفة أو تلك بعملية سياسية تكافح من أجل البقاء بعد أن نخرها الفساد في عظمها.

وبالرغم من تدفق مبالغ ضخمة من الأموال بعد العام 2003 على مدينة بغداد إلا أنها اليوم شبه معتمة تعاني من نقص هائل في الخدمات، وتضج مستشفياتها بالمراجعين فيما قرر الارهاب المحلي والوافد أن تكون هذه المدينة ميداناً لصراع سياسي، ومذهبي، وعقائدي يدفع ثمنه الأهالي في كل يوم. أما النفايات فقد أصبحت المعلم الوحيد في هذه المدينة.

وقد بدا واضحاً العجز الحكومي خلال السنوات التسعة الماضية من وضع أي لمسة تعيد العافية والحياة لهذه المدينة التاريخية، بينما تفاخر دول كثيرة اليوم بالصعود السريع لمدنها التي لا يمتد تاريخها إلى أكثر من بضعة عقود من السنوات.

ويلقي مواطنون باللائمة على حكام بغداد الذين تقصدوا إهمالها، والإنشغال عنها بالصراعات السياسية وتعميق الفساد والإفساد في الشارع البغدادي، ومثلما يهمل الإنسان في بغداد، فإن أغلب مبانيها الأثرية والتاريخية ظلت مهملة هي الأخرى، وها هي معالمها الأثرية تعاني عدم الترميم في وقت يؤكد فيه خبراء آثاريون أن تلك المباني من الممكن أن تكون من أبرز مناطق الجذب السياحية في العالم، خاصة وأن تاريخ بعضها يعود لأكثر من ألف عام.

ويقول استاذ التاريخ السياسي في جامعة المستنصرية عصام الفيلي ان بغداد كانت تمثل "المركز الاقتصادي الاكبر للدولة العباسية وقد اتخذت كمنطلق للسيطرة على مناطق اخرى مجاورة بهدف تعزيز النفوذ الاسلامي". ويضيف ان "بغداد شهدت نهضة فكرية عن طريق الترجمة التي عادة ما كان يتقنها اليهود والمسيحيون، وتحولت الى قبلة المفكرين والشعراء والعلماء من كل بقاع العالم، ومركز الصناع ومدينة الاعمار". ويستدرك "أما بغداد اليوم، وبعد ان كانت بمثابة عاصمة العالم، باتت واحدة من اكثر مدنه بؤسا".

وسقطت بغداد للمرة الاولى عام 1258 على ايدي جيش هولاكو المغولي، وفي عام 1917 على ايدي البريطانيين، ثم قبل تسع سنوات حين اجتاحتها قوات تحالف دولي قادته الولايات المتحدة وبريطانيا لإحتلالها.

وكانت بغداد اعلنت عام 2011 كاسوأ مدينة للعيش في العالم وفقا لاستطلاع دولي، بسبب وضعها الامني ووضع البنى التحتية المتخلفة فيها والظروف المعيشية الصعبة والبائسة.