سيدة العداوت الثلاث

تتميز النائبة حنان الفتلاوي عن غيرها من النواب و{النائبات} بلهجتها واسلوبها العدواني وبنبرتها الحادة فتبدو وكانها في عراك وليس في مناقشة او مقابلة تلفزيونية او في مساجلة داخل قاعة برلمان. انها سيدة العداوات الثلاث، البغض والضغائن والاحقاد. لا يُسمع منها سوى مآخذها وسوء ضنها بشركاء العملية السياسية. عندما تسمعها تحس ان السياسة لم تعد فنا ولا شطارة ولا خبرة ولا مقدرة، بل عركة طرف، حيث تقف النساء عند الابواب ، لا تتخطى عتبة البيوت وتستمر بتبادل الشتائم.
السيدة حنان الفتلاوي مرآة تعكس الحالة المزرية التي وصل اليها الادب السياسي بقيادة دولة القانون، تعكس حالة الركود الثقافي وضحالة الادب السياسي وتشنجات العلاقات بين الاحزاب التي اصبحت علاقات عداء وشتائم وسباب وتنابز، او الى مزق تستغله الفضائيات العربية للتندر والمسخرة كما يصفه السيد رئيس الوزراء نوري المالكي.
ليس للسيدة الفتلاوي من جديد تضيفه او تتميز فيه، فافكارها ومواضيعها وحتى عباراتها معادة ومكررة، عندما تسمعها وتراها في برنامج تلفزيوني، يراودك الشك بان الحلقة معادة للمرة العاشرة، مع انها تبث مباشرة، وتنقل حية على الهواء، فكل شيء تقوله له علاقة بالماضي، فهي لا تتحدث عن الحاضر الا بصيغة الماضي ولا توقد شمعة لتضيء طريقا للمستقبل بل تعتم كل بصيص للنور.
عندما تتحدث السيدة الفتلاوي تصبح الدنيا( ظلمة ودليلها الله) اذ انها فنانة في خلق حالة من التشاؤم والاحباط واليأس والقنوط، تغلق كل الطرق وتسد كل المنافذ، فلا يوجد مخرج ولا بارقة امل، تشطب على جميع الاراء وتستلزم الرضوخ والانصياع لاراء كتلة دولة القانون. ربما قد لا يقع كل اللوم على السيدة الفتلاوي، اذ انها لسان حال واقع خلقه الاسلام السياسي، فالعملية السياسية برمتها في حلقة مفرغة، تلف وتدور ثم تعود الى التوقف دائما عند نفس نقطة البداية. ومع ان السيدة الفتلاوي جديدة على السياسة اتت بها الصدف والكوتة النسائية، لكن تتسابق المحطات الفضائية على استضافتها ومحاورتها، لا لشيء سوى انها رائدة في اثارة النعرات القومية والطائفية. فالاعلام العراقي بشكله المقروء والمرئي والمسموع، يقلد اعلام فضائية الجزيرة بشكل حرفي لكن دون اناقة، اعلام فضائية الجزيرة يمتهن اشعال الحرائق ويبحث عن من يصب الزيت على النار، لذلك برز تعبير (مثير للجدل) لوصف بعض السياسين الهواة الذين لا تمكنهم قابلياتهم الفكرية ولا رصيدهم الثقافي ولا املاقهم في علم السياسة على البروز، انهم يبحثون عن كل ما يعقد المشاكل لا عن ما يسهل لها الحل، ما يسعون اليه هو البروز حتى لو كان مثل لوح اجوف يطفو على السطح لبرهة من الزمن ثم يهمل اهمالا تاما تتقاذفه الامواج بعيدا عن المشهد، ولان السيدة الفتلاوي اصبحت مثيرة للجدل، تتسابق اليها الفضائيات وتقدمها في حلقات مثيرة لامتاع الجمهور ببعض العراك.
نفط الجنوب هو الحديث المحبب الذي لا تتوقف عن قراءة لطميته مع ذرف قليلا من دموع التماسيح على ضياعه. لا احد يغفل بالطبع اهمية النفط للعراقيين، بفضله وحده، وليس بفضل اي ثرثار برلماني اخر، لا يزال العراقيون على قيد الحياة وان كانت حياة تبعث على الرثاء. الشعب يعرف ان السيدة الفتلاوي وبقية الرهط السياسي يتباكون على النفط ليس حرصا، بل طمعا، فلم تعد مليارات الموازنة كافية لسد شراهة ونهم وطمع احزاب الاسلام السياسي ولا كافية لتحمل نفقاتهم. وهي عندما تتحدث عن نفط الجنوب وعن خراب مدنه وفقر شعبه، لا تتطرق الى اي مقارنة مهما كان نوعها بين النعيم الذي تعيش فيه هي وبقية المتنفذين من رهط الحاكمين، وبين حياة البؤس والشقاء الذي يحيى فيه بقية المواطنين،. عندما تتحدث السيدة الفتلاوي عن نفط الجنوب تنسى ان ليس نفط الجنوب فقط، بل حتى ارض العراق بساتين واراضي زراعية وضفاف الانهار وقصور وبيوت النظام السابق تحولت الى اقطاعيات وزعها الحاج المؤمن نوري المالكي على من يريد شراء ولائهم. تتناسى بان كل دولار يسجل في حساباتها البنكية، هو دولار مقطوعا من لقمة طفل جائع او امرأة ثكلى او عائلة تخشى حلول من الغد. تتناسى السيدة الفتلاوي ان تتحدث عن فضائيات حزب الدعوة واعلام دولة القانون الضخم والحملات الانتخابية والسفرات والبعثات والوفود المصطنعة، بانها مقتطعة من نفط الجنوب الذي تولول متباكية بانه يذهب سدى الى من لا يستحقه، وهل يوجد من لا يستحقه اكثر منها هي ومن احزاب الاسلام السياسي الذين اكلوا الاخضر واليابس ولم يبقوا لصغار الحرامية الا بعض الدراهم يتسلون بها الى حين ثم لتطولهم بعدها الاحكام المشددة بينما حرامي حزب الدعوة الحاج عبد الفلاح السوداني يبذر اموال العراقيين المسروقة في سبيل الله في لندن؟
لا تتحدث السيدة عن التهريب ولا عن النفط المهدى الى الاردن ولا الى مصر ولا المهرب الى ايران ولا مليارات الدولارت الضائعة بحرق الغاز الذي يذهب سدى.!!
تتناسى الحديث عن ضرورة تنصيب العدادات على محطات الضخ والتصدير لمعرفة الكميات المصدرة والكميات المهربة في سبيل الله. تتناسى ان تصب نار غضبها على المهربين والمختلسين والفاسدين في عقود الشركات الوهمية وعقود التسليح وعقود الغذاء والدواء، وتحاول الهاء الشعب باثارة مشاكل لمنافسين سياسين فاسدين لانهم اثثوا بيوتهم بكم مليون دولار او بنوا مسبحا لاستجمام اجسامهم المترهلة. السيدة الفتلاوي تتوهم بان الشعب غافل ولا يعرف بان هذا النوع من الفساد هو صغائر، لكن لماذا لا تتطرق الى الكبائر، عن المليارات الضائعة في جيوب وفي عمائم وفي صفقات وفي رشاوي وفي اكراميات ومنح وهدايا وعطايا وعقود وهمية وصفقات تسليح.
السياسة هي فن البحث عن نقاط الالتقاء، هي فن بلوغ الاهداف باقل جهد من التشنجات، هي فن حل المشاكل وتناسي الاحقاد والتغلب على الضغائن.
لكن طاقم السيد المالكي يفتقر الى كل هذه المواصفات ولا يجيد الا فنون خلق مناخات البغضاء والتناحر. انهم مثل الارضة التي تاكل في اساس البيت، الوطن، والذي ان استمروا في هذا القرض سيسقط على رؤوسهم اولا.