بطولات وهمية لاوجود لها

منذ أن إستولى تنظيم داعش الارهابي على مدينة الموصل و مساحات أخرى من العراق، فإن صياغة و اسلوب التعامل و التعاطي مع التدخل الايراني في العراق قد إتخذ سياقا و إتجاها مختلفا عن السابق، عندما کان المدافعون و المتحامون على هذا التدخل يسعون لتکذيب مايورد بهذا الشأن و کونه محض إختلاق او دعايات مقصودة، لکننا اليوم نجد الاتجاه الجديد يسعى لمنح وسام بطولة و شجاعة لهذا التدخل و بذل جهود من أجل التأکيد على انه ولولا هذا التدخل فإن العراق کان سيسقط لامحالة بيد ذلك التنظيم الارهابي.
موفق الربيعي، مستشار الامن القومي السابق للحکومة العراقية، أبلي بلائا حسنا في دفاع مستميت"ملفت للنظر"، ليس عن التدخل الايراني في العراق و تبريره فقط وانما حتى عن مشروعية المواقف الاقليمية و الدولية للنظام الايراني عندما دعا الامريکيين لإسقاط مابيدهم و فتح أحضانهم لهذا النظام من أجل أن تنعم المنطقة بالسلام و الاستقرار على حد ماقال في تصريحاته آنفة الذکر، والذي يجب أن نضعه نصب أعيننا هو انه وقبل تصريحات الربيعي هذه التي دافع فيها أيضا عن دور الميليشيات الشيعية في العراق، قد کانت هنالك صولات إعلامية غير مسبوقة ترکز على تسليط الاضواء على قاسم سليماني، قائد فيلق القدس و النشاطات و"البطولات"التي کان يحققها هنا و هناك، فتارة هو بطل إنقاذ أربيل من السقوط بيد داعش و تارة أخرى هو بطل تحرير آمرلي حيث کان أظهروا رقصته البطولية!
هذه المحاولات المشبوهة و التي لاتستند على وجه حق، تأتي بعد أن طفح الکيل بالشعب العراقي من الانعکاسات و التداعيات السلبية للتدخل الايراني في العراق و الذي فتح الباب على مصراعيه لتدخلات مضادة أخرى مما جعل من العراق ساحة لتصفية الحسابات على حساب و مصلحة الشعب العراقي و على حساب أمنه و إستقراره، إذ ان التدخل الايراني ومنذ أن وصل الى مستوياته غير العادية التي بلغها في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالکي، فإنه بدأ يخطو خطوات تثير الحساسيات و الحزازات الطائفية خصوصا تشکيله للميليشيات و المنظمات المسلحة و تکليفها بمهمات مختلفة أثارت و تثير قلق و مخاوف أطياف و شرائح عراقية أخرى.
لايمکن الاستهانة بما أظهره نواب بغداد من العرب السنة عن قلقهم من إطلاق يد الحشد الشعبي في الملف الامني بالعاصمة خصوصا بعد تصريح وزير الداخلية و القيادي في منظمة بدر محمد الغبان حول تکليف تشکيلات الحشد الشعبي بالملف الامني في بغداد وعزمه وضع ارقام رسمية لألفي سيارة تابعة للحشد الشعبي في بغداد رغم علمه وعلم الجميع بان ما يسمى الحشد الشعبي يتألف من مجاميع مسلحة تنتمي الى مكون واحد في حين ان بغداد وهي العاصمة ، مدينة مختلطة.
هذا التصريح المقلق، جاء بعد أن کشف النقاب في محافظة ديالى أقرب المحافظات العراقية الى العاصمة بغداد عن انشاء غرفة عمليات جديدة لفيلق قدس الايراني في مركز قضاء الخالص باشراف الجنرال قاسم سليماني ويقودها زعيم منظمة (بدر) النائب هادي العامري وتضم قائد شرطة ديالى الفريق جميل الشمري ورئيس مجلس المحافظة مثنى التميمي وقائمقام الخالص عدي الخدران ومعاون رئيس عصائب اهل الحق قاسم ابو زينب وعددا من قادة مجاميع (الحشد الشعبي) وثلاثة ضباط ايرانيين عرف منهم العميد مهدي خسروي، وأکدت مصادر مطلعة بأن غرفة عمليات فيلق قدس الايراني قد افتتحت خلال الاسبوع الماضي غرفا عسكرية فرعية لها في ناحية (ابو صيدا) التابعة لقضاء المقدادية وتتولى عمليات تهجير سكان القضاء واغلبهم من السنة العرب اضافة الى غرفة اخرى في ناحية العظيم التي تفصل المحافظة عن محافظة صلاح الدين وغرفة عمليات ثالثة في ناحية المنصورية ومسؤوليتها تشمل مناطق حوض حمرين وقاطع ناحيتي السعدية وجلولاء. هذا وقد ذکرت تلك المصادر أيضا ان غرف عمليات فيلق قدس الايراني في محافظة ديالى تعمل وفق خطة ممنهجة تقضي بعدم مشاركة وحدات الحشد الشعبي مع قوات الجيش والشرطة في مواجهاتها مع مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية لتفادي خسائر بشرية وتسليحية قد تتعرض لها، وانما تنحصر مهمتها بتسلم المناطق والبلدات والقرى وادارتها بعد تطهيرها من مقاتلي داعش ومن ثم حصارها ونسف بيوتها لمنع عودة سكانها الاصليين اليها وهو ما حصل في ناحيتي السعدية وجلولاء وقرى قورق والشيخ سليم وعمرة ونصر الدين شرقي المحافظة.
التمعن في کل هذه الحقائق الدامغة التي تروي فصولا من المآسي و الکوارث التي تعصف بالعراق بفعل التدخل الايراني السافر في الشؤون الداخلية و السعي لتجييرها و دفعا بإتجاهات تخدم مصالح و أجندة مشبوهة، تدحض کل التصريحات و التخرصات التي تسعى طائلة و من دون جدوى لتلميع الدور القبيح المشبوه لطهران في العراق و منحه بطولات وهمية لاوجود لها على أرض الواقع!