نحن امة من ورق

ضحك علينا آبائنا واجدادنا منذ كنا صغاراً لانفهم للقول معنى ولا للفعل مغزى , ضحكوا علينا بحكايات الصدق والحب والفضيلة ,خدعونا بان الخير والنور في النهاية سينتصر, وان النجاة في الصدق ,والكرامة في الحرية, والعزة في الصبر والتوكل على الله , وفي الختام كما عودونا ان البطل الطيب والصادق والشجاع المغوار مهما تعرض للمصائب والظلم والقهر سوف ينتصر على قوى الشر والرذيلة باذن الله, ويقضي على الاشرار بضربة سيف واحدة, ويعفو عن الضعفاء, ويبتسم بوجوههم ابتسامة الاب العطوف, ويتزوج حبيبته في النهاية كما في الافلام ويعيش عيشة سعيدة.

قالوا لنا ان بلدكم اعرق وافضل واثقف بلد في الدنيا ,حضارته عظيمة وقيمة وخالدة, وانه علم الناس الكتابة والقراءة وعلوم الجبر والهندسة والفلسفة والكيمياء والفيزياء والطب و.. و.. قالوا لنا ان ارضنا زرع الله فيها الخير منذ فجر التاريخ ,واودع فيها نفطاً يكفي لمئات الاجيال, وانبت فيها العظماء والقادة الميامين منذ خلق البرية , قالوا لنا ان امتنا امة لاتموت ,امة عظيمة لاتدانيها الامم , يا سلام على الامة وبسالتها.

هذا ماقالوه لنا وبقي في عقولنا صور متحجرة لاتنطق وعبارات ميته لاتتنفس ,رموز من ورق ,ومبادئ من خيال تكتظ بها متون الكتب, وقيم لم نرها ولم نلمسها,ولكنهم اوهمونا بوجودها , ولايراها الا ذو حظ عظيم , كبرنا وكبرت الانفة والعزة فينا مع اننا حفاة عراة واصبحنا كالديكة التي تغط اقدامها في الخراء وهي تصيح بفخر وتعتقد بانها تمنح الشمس أذناً بالشروق, وتبجحنا بتاريخنا وعظمته , ونحن نعاني هزيمة في كل شي, ومحض شعوب محرومة مسحوقة, لانمتلك حق القول فضلاً عن العمل بحرية ,واكتشفنا باننا مجرد ارقام صامتة في سجل القائد , واغنام في قطيعه المطيع الداجن, واضاحي رخيصة للموت في سبيل حماية مؤخرته من الركل اللامبريالي "الكافر".


وبتنا نموت ونضحي وننتظر كالعجائز المتعبة ان نعيد هذه الاساطير اللعينة الى الوجود بعد ان عفى عليها الزمن واندرست كأخلاقنا تحت نير الطمع والعنف والكراهية, وتحولنا لمسوخ بشرية تجتر الموبقات بشراهة كلحم مقدد شهي ,وبدل ان ننتصر هُزمنا وبدل ان نتوحد تفرقنا , وبدل ان نتكافل تصارعنا ,وبدل ان يحب بعضنا بعضاً تباغضنا وتباعدنا ,واكتشفنا بعد صبر طويل لعدة قرون مترعة بالقتل والخراب,ان بلدنا العريق العظيم مجرد بقرة يستدر حليبها الغريب والقريب ,وحضارته الطويلة العريضة لم تخلق فينا انساناً واحداً "يحب لاخيه مثلما يحب لنفسه" واكتشفنا باننا نسينا مبادئ القراءة واقلامنا تحولت لسكاكين طائفية وعنصرية وحزبية حادة نحزّ بها روؤس ابناء الوطن .

ففي كل مرحلة يدفعون بنا نحن الفقراء للتضحية والموت والقتال , فالعراق يستحق التضحية , مرة باسم الدين ومرة باسم الوطن ومرة باسم العزة والكرامة والنعل المعادة والقنادر اللامعة ,موتوا فالبلاد في خطر , ضحوا فمصيرنا واحد ,ناضلوا فالحق يحتاج الرجال , والحرية تفتقد الدماء ,والنصر يطلب المزيد من التضحيات ,والنتائج دائما واحدة, يعود المقاتل ليبحث عن فتات الخبز في دوائر حكومية غاصة بالمرتشين والكلاب الجائعة وذيول رشيقة تراقب من يسئ الى حرمة القائد وقدسيته, تنهش به ماأستطاعوا حتى يحصل على حقه او لايحصل عليه ابداً!!!! ويبقى الفقراء في خرائبهم المتهالكة والمترفين في قصورهم الفارهة الجميلة, ينفخون كروشهم المترهلة بالوان الطعام والشراب, ذهب الملك جاء الزعيم, قتل الزعيم جاء القائد, سُحق القائد جاء المهيب ,لاشي جديد تحت شمس العراق ,اغنام تموت وذئاب تشبع وتتضخم.


رحل الطغاة الفاسقون وجاء المؤمنون الصالحون الركع السجود!!! ذوي الجباه المحترقة ,فماذا حصل ؟ لاجديد فوق ارض الخراب , الفقر والعوز ظلوا كما هم يستأنسون باصحابهم المساكين , والجوع مستمر في دور العرض العراقي وبنجاح ساحق والمرض كذلك والموت والفساد !! فاين العطب اذن؟؟ بلد يعجّ بعشرات الاحزاب الدينية العريقة والرقيقة, التقية والنقية , القديمة والحديثة من " ربع الله " ويزدحم بالصالحين والمصلين والعمائم بكافة الانواع والزائريين لمراقد الائمة ومحبي اهل البيت ع!!! ورغم هذا فيه من الفقراء والمساكين والجياع والضحايا الكثير, كيف ولماذا يحدث هذا؟

كان علينا ان نفهم ان راس الحسين رسالة واضحة لنا وعلامة فارقة في تاريخ امتنا المزيف ونذير شؤوم باننا سنرث دين يزيد " امير الامة الصالح" دين القتل والصلب وتقطيع الاوصال ـ وهاهم احفاده يضطلعون بالمهام الدموية بأداء متقن ـ دين الحكام والامراء وابناء الذوات والمترفين ورجال الليالي الحمراء وشاربي الخمر بالليل والمصلين في اول الصفوف في النهار.

فبعد هذا الفشل الذريع والفاضح بانتشال الانسان من القهر والظيم وحفظ انسانيته وكرامته وحريته ,هل نستطيع ان نقول بان امتنا امة عظيمة ؟ ام انها امة فاشلة وميتة منذ سنين ولن تنهض او تزدهر وتتطور الا في بطون الكتب لانها باختصار شديد اصبحت امة من ورق!!