كنت كغيري من العراقيين الذين سارعوا لشراء الجهاز العجيب الذي كان محرم عليهم آبان حكم الطاغية وهو المحمول، وسرعان ما أمتلئ بأرقام كثيرة أقارب معارف أصدقاء، ضمن هذه الأرقام ما هو عزيز على القلب لأنها تخص مجموعة من الشرفاء، آمنوا بالتغيير وشروق شمس الحرية، بالرغم ما واجهوه من محاربة المفسدين وإنتقاد الجبناء. ألا ان كثير من هذه الارقام باتت مفصولة عن الخدمة،لرحيل اصحابها من دنيانا الى رحمة الله ومغفرته، بدأ الأمر بصديق مكافح توفى والده مبكرا فأصبحت مسؤولية عائلته على عاتقه، وتزوج ورزق بمولود صغير الكل كان يحبه، فهو مرح دائم رغم ما يشهده من مصاعب، من بيته في العامرية رفع أول آذان (أن عليا ولي الله) بعد سقوط الطاغية، فأردته يد جبانة بأطلاقه في رأسه، وأختفت عائلته خوفا من قاتليه. لاحقا صديق آخر من أهل السنة كان يدرس الماجستير،وكان ذاهبا الى اهله في ديالى مبشرا لهم أن موعد مناقشته ونهاية معاناتهم قد قربت فلم يصلهم قط ، وحصل على براءة اختراع على بحثه بعد مقتله بفترة، وأستاذ ستيني لم نعرف اصلا أن كان شيعيا أو سني، عذب وكسرت يداه رجلاه قبل قتله، نعم كان الأمر مقصودا فرجلاه ويداه من إنهلت مئات الطلبة علما، فكان لا بد من تعذيبه وقتله لأنه يمثل النور في عصر الظلمات. تكاثرت الأرقام المفصولة عن الخدمة فبعد الإغتيالات حصدت المفخخات الآلاف، وأصبح الموت السمة الدائمة لعاصمة الحضارة بغداد وبقية العراق، وبعدها بيع العراق لشر خلق الله وقبض الخونة الثمن (مال،سلطة،امان زائف، وعود كاذبة). ظن المتآمرون أنهم مسحوا أسم العراق للأبد، فالجيش تفكك، والقادة إختفوا، ومناطق سلمت من غير قتال، ولكن هيهات، فقد نسفت فتوى المرجعبة الرشيدة احلامهم المريضة، وأنبرى مئات الآلاف من الشرفاء لحرب داعش، وغسلت دماء الشهداء عار الخونة والمتآمرين. نعم نحن ننتصر ولكن بأي ثمن؟ فلا يمكن مساواة قطرة دم طاهرة من بطل شهيد بألف جثة نتنة من داعش، أو حتى أكثر من ذلك بكثير. بت اكره النظر إلى جهازي المحمول فلم يعد فيه الكثير من الأرقام، لماذا يختار الموت دوما الشرفاء ويتنزه عن الخونة الجبناء؟ قد يكون هو القدر، فديدان الأرض تتشبث بالطين، ولا ترضى النجوم بغير السماء.
|