كثيرون من يفكرون بالهجرة والتنقل من مكان إلى آخر لأسباب متعددة لعل ابرزها العيش او العمل، فالناس اتخذوها حلاً للابتعاد عن العوامل غير المساعدة كالفقر والجوع وبلاء الحروب والبطالة وفقدان الامن، عدا وجود عوامل مساعدة تهيء لذلك كالموقع وضمان الكسب المعيشي والحالة الاجتماعية التي قد تصل للرفاهية المفقودة. ولا نختلف أن منشأ الهجرة ليس بجديد بل يعود إلى الاف السنين، ففي مراحل الزمن هي منشأ تحولات مهمة واساسية في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية لدى المجتمعات ومن اهم العناصر لتأسيس التحضر بـ27 حضارة بشرية مسجلة كانت مرهونة بالهجرة. وبحسب تقرير للامم المتحدة في بدايات هذا القرن، هناك 190 مليون مهاجر مايعادل 3% من نفوس العالم، و97% البقية يعيشون داخل اوطانهم ونشأوا وفق كثافات مجتمعية، ومع هذه الاحصائيات لانملك رقما محددا حول المهجرين والمهاجرين من الفيليين. لكننا مطمئنون أن نسبة المتبقين داخل اوطانهم اقل بقليل من قصد مقصدا بعيدا عن بيئته المجتمعية. مع عدم الاخذ بنظر الاعتبار ان كانت هجرة طوعية او قسرية. في وقت ما الانسان يكون عرضة لهجمات شرسة، وليس لديه امكانية لردعها، فيبدأ بالتفكير ببدائل، وبما ان قضية الكورد الفيليين لها خصوصيات وابعاد تختلف مع الاخرين (اسباب قومية وجغرافية) يجب ألا يتخذ من الاخلاقيات معياراً لحل مشاكله وما تمرّ عليه من صعاب بل هناك قوانين ومنطق يقول ان الهجرة وسيلة للبقاء في سبيل بناء حياة افضل للحفاظ على المتبقي لهم. فهجرة اجدادنا في المناطق التي نعيش فيها خير مثال، وقبل بدء الاستعمار الجديد وبسبب عدم وضوح الحدود الجغرافية، وعدم استحكام الاسس السياسية في العراق كان النّاس يتنقلون لتأمين حياة أفضل، واما اليوم وبسبب الحواجز السياسية والاجتماعية اصبحت تلك التنقلات شبه مستحيلة، وتحتاج الى طرق واساليب أكثر تعقيدا من ذي قبل. من الممكن ان نصدق او لا فإن الهجرة والكورد الفيليين متلازمان لا يمكن تجزأتهما عن بعض، ويمكننا ان نقول ان هجرة الفيليين كانت طوعية ذكورية، ومع بروز الاختلافات مع السلطة الحاكمة اصبح التهجير القسري هو الغالب والوسيلة التي اتبعها في الانتقام منهم. الهجرة بالنسبة لنا نحن الفيليين ومن القرية الى المدينة كانت دائما مستمرة ومحل طلب اجتماعي، وهذا الامر كان من اهم الاسباب في زيادة نسبة الكورد في بغداد من دون ملاحظة الخطر الاجتماعي والثقافي والمكانة والهوية التاريخية، وأرادوا في ذلك الاندماج والانخراط في الحياة المدنية، وكذلك الاستفادة من توسع المجال الاقتصادي في ذلك الحين، اما في المحصلة لم تكن هناك منفعة من هذا الامر علاوة على الضرر الذي لحق بهذه الشريحة المتثمل بالتهجير القسري ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة. مع احتمالية ان يصل تأثير تلك الاحداث إلى من في القرية. في الحياة السياسية العراقية اليوم، ذهبت القومجية وحلت محلها الطائفية. وقرابة الكورد والشيعة بدأت بالابتعاد. وبالعودة إلى الجغرافية. الطرف الثالث المتوسط بينهما غير معجب بوضع قوميتنا ومذهبنا، وبالتالي فبأي هجرة، الكورد والشيعة غير مرحبين من قبل العالم العربي. فمن دون احتساب هذه الحقائق نحن غير قادرين على ان نقيم تأثيرات الهجرة على مصيرنا، ومن دون ان ننسى ان مهاجرينا الى بغداد وباقي مدن العراق كانوا النواة للحركات السياسية والنشاطات الاجتماعية والثقافية، والحصول على بحبوحة من الحرية كانت تلك العوامل من اهم الاسباب في جذبنا. خلافا لما يقال عن اسباب التهجير وحجز الاموال وتغييب الشباب، وكم كان ثمن تلك الاعمال الاجرامية باهضاً، فإنه لو لم تمارس تلك الاعمال بحقنا وبقينا مع اولئك الذين فتكوا بنا لكنّا قد دفعنا الثمن اضعافاً من ذلك، ويمكن تصوير هذا الامر بأننا كنّا نقبع داخل دائرة حكم دموي والذي اعترف بأنه ترك آثاراً لجريمة الابادة الجماعية التي مورست بحقنا وكان يعتقد ان يبقي تحت سلطته حتى اولئك الذين فروا من ذلك الظلم لكي لا يكونوا منتصرين في وقت من الاوقات، فذلك النظام اعترف بخطأ ستراتيجيته لذلك التهجير القسري، حيث اولئك إن بقوا كان يسهل تصفيتهم على غرار شهدائنا المغيبين، ولا نستبعد تكرار هذه الجريمة مستقبلا (تصفية شاملة) بدون الوقوع في الخطأ هذه المرة، اليست هذه الحقيقة ؟ قسم اكبر واكبر بكثير من الفيليين المتبقين اصبحوا عراقيون عرب حتى يستمرون في حياتهم الطبيعية ولايزالون بعد التغيير ايضا بسبب المخاوف وعبرة من مآسي الماضي لم يرجعوا الى قوميتهم الاصلية. إن الكم الهائل من المهجرين والمهاجرين الفيليين في انحاء العالم يظهر اننا قد تجاوزنا مرحلة القرية والمدينة الى دول اخرى، وتخلصنا من املاءات السياسات القمعية، والمهم في ذلك ان نبقى احياء في هذا الصراع، وتمكن الفرد منا هناك بأن يوجد ظلا يحميه ويلجأ له هو وعائلته ولم يتبق للكبار منهم في هذا البلاد سوى الذكريات بحلوها ومرّها، ولا يوجد بصيص من الأمل لهم بالعودة الى ارض تلك الذكريات. مع ذلك حافظوا على قوميتهم بدون املاءات او مصالح بل حسب الرغبة والقناعة والالتزام تجاه قوميتهم. في الماضي القريب كنا تبعية ولكن باعتراف العدو والصديق كان لدينا ثقل في مركز العراق، واليوم اصبحنا عراقيين مغدورين من دون اي وزن او مكانة تذكر وباعتراف من جميع الاطراف، وفيما قبل نحن جزء رئيس من الحركة التحررية الكوردية، والآن لو نقول نحن فيليون يطالبوننا بتأييد يثبت أننا كورد او ينكر ذلك وحسب المزاج وهذا مجرد يشمل الكورد الفيليين ، وهل هناك فيلي ليس بكوردي؟!، من الممكن ان نسأل هل هناك دائرة تجنس انشأت حديثاً في كوردستان؟ لانه الكوردي يقول للكوردي اثبت كورديتك !. وبلا شك الحياة الفردية والجماعية لنا مليئة بالمصائب والمشاكل ولها طابع مختلف عمّا يعانيه الاخرون، ولدينا طريقان اما ان نهرب من واقعنا ونذوق طعم الغربة ونبني كل شيء من جديد، او نبقى بلا هوية بأنكار هويتنا التاريخية وقوميتنا ولا نهتم بما جرى وما يجري علينا في وسط وجنوب العراق، الهجرة بالنسبة لنا رحمة للخلاص من المستمسكات والاثباتات التي طالما رافقتنا في اي بقعة من هذا البلد الذي نموت فيه يومياً. بهجرتنا سنتحصل على ما فقدناه باستثناء الارض التي خسرناها منذ وقت طويل، لان لا اخوتنا العرب يعترفون بكوردية اراضينا في شرق دجلة ولا في الاجندة الكوردية حول المناطق الكوردستانية خارج الاقليم يذكرون بدرة وجسان وزرباطية وباقي مناطقنا التي ذكرت حتى في دستور الاقليم، ففي السابق هجرنا قسريا. فالنهاجر طواعية. فارض العراق خصبة للعنف وخلق انظمة دموية، وهناك قائمة يطول ذكرها لشعوب ومكونات خسروا بقاءهم فيها. لو شئنا يمكننا ان نتعلم حتى من اطفالنا ما يجدر بنا فعله، لانهم بصدق يرون الواقع ويتمنون حياة افضل كما يعيشها الاخرون. فينطقون بالحلول التي تراود مخيلتهم الخصبة الصافية علها تكون يوماً من الايام سهلة المنال.
|