مع بدء الحملة الإنتخابية لمجالس المحافظات بدأت الدعاية لها بكل اشكالها المصوَّرة والمسموعة والمقروءة وبدء معها النشاط الملحوظ للمرشحين على شكل خطابات في مجالس وتجمعات أُعدت خصيصاً لهذا الغرض الإنتخابي . وقد اغنتنا التجارب الإنتخابية الماضية في العراق بعد سقوط دكتاتورية البعث بكثير من الأحداث التي ظلت مرتبطة بأوقات وذكريات الإنتخابات بالرغم من ان طبيعة هذه الأحداث طبيعة سياسية عامة يمكن سحبها على مجمل العملية السياسية الجارية في العراق . ومن هذه الأحداث مثلاً بروز الكرم الحاتمي عند بعض المرشحين الذين أبدوا ، وبشكل ملحوظ وفجائي ، إهتماماً منقطع النظير بالناس وبحياتهم التي دعت هؤلاء المرشحين لأن يجزلوا العطايا على هؤلاء الناس مع تزايد الوعود بالتغلب على كل ما يعيق التمتع بحياة حرة كريمة في حالة وصولهم إلى البرلمان باصوات هؤلاء المقهورين والمظلومين والمهمشين . إلا أن ذلك يعني بالنسبة للناخبين معايشة تجربة قاسية خلال السنين العشر الماضية التي جلس فيها هؤلاء الحاتميون وجماعاتهم على مقاعد البرلمان او إستلموا فيها الوزارات المختلفة او المؤسسات الهامة في الدولة . وهذه التجربة تتلخص بكل بساطة بالإثراء الفاحش لهؤلاء الذين إنتخبناهم وبقاء الجموع الغفيرة من الناخبين في حالات البؤس والشقاء والفقر والبطالة ، هذا بالإضافة إلى عدم الإستقرار الذي رافق الأوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية في وطننا . هذه هي نتائج إنتخابنا لمثل هؤلاء وهذه هي سياستهم التي طبقوها خلال السنين العشر الماضية . فبماذا نفسر كل ذلك بالنسبة لنا نحن الناخبين والذين يجب ان نساهم في إنتخابات مجالس المحافظات القادمة في العشرين من شهر نيسان القادم ؟ لقد كثر هذه الأيام ، ومن خلال الدعاية الإنتخابية ، ترديد شعارات المرشحين الذين يكررون ما اسمعوه للناس في كل إنتخابات حينما يعلنون بأنهم سيقومون بتنفيذ كذا من المشاريع ، وسيعملون على تحقيق كذا من برنامجهم الإنتخابي ، وسوف نعمل ... وسنسعى ... وهكذا الكثير من هذه الأقوال والوعود الكاذبة التي برهنت السنين العشر الماضية على بقاءها ضمن الأقوال البعيدة كل البعد عن الأفعال . إن ذلك يعني بالنسبة للناخبين الحريصين على هذا الوطن وأهله والذين وعوا تجارب السنين العشر الماضية، أن الصوت الإنتخابي يجب ان يكون من حصة المرشح الساعي إلى تحقيق وعوده فعلاً ، وليس من حصة أولئك الذين كذبوا على الناس طيلة هذه السنين . الصوت الإنتخابي الذي يمثل شرف الناخب ويعبر عن نقاء ضميره يجب ان يأتمن عليه الناخب مَن هو جدير بحفظ هذه الأمانة والعمل على صيانتها طيلة المدة التي خوله بها الناخب . إن ذلك يعني ان لا تنتخبوا كلَ مَن لا تعتقدون به بأنه المؤهل فعلاً لتحقيق ما تريدون تحيقيقه من إصلاحات في محافظتكم . وأن تنتخبوا كل من تعتقدون فيه كفاءات شخصية ومؤهلات ذاتية يوظفها من اجل المحافظة وأهلها. ولكم في السنين العشر الماضية عِبرَة يا أؤلي الألباب . وإن ذلك يعني ايضاً ان لا تنتخبوا كل مَن تعتقدون بعدم أهليته لتوفير الخدمات التي تحتاجونها يومياً والتي غيبها عنكم المنتفعون بالأموال المخصصة لتنفيذ هذه الخدمات . الخدمات الصحية والبلدية والإستهلاكية وخدمات توفير المحروقات صيفاً وشتاءً وخدمات توفير المياه الصالحة للشرب والعناية بالطرق والمجاري ونظافة المدن وخدمات توفير الكهرباء وكل ما يتعلق بذلك من مظاهر الحياة الإنسانية الحقة التي لا يمكن الإستغناء عنها في عالم اليوم ، عالم القرن الحادي والعشرين من عمر البشرية . هذه الخدمات التي لم يوفرها لكم اصحاب المحاصصات الدينية الطائفية والقومية الشوفينية. ومن الطبيعي ان يعني ذلك ايضاً عدم إنتخابكم كلَ مَن تعتقدون بأنه ساهم من قريب أو بعيد بحجب هذه الخدمات عنكم أو عرقل تنفيذها وذلك إما بسبب سرقة الأموال المخصصة لها أو عدم الإهتمام أصلاً بما يعاني منه المواطن من جراء نقص هذه الخدمات حيث أن القائمين على تنفيذها والمسؤولين عنها لديهم كل ما يوفر لهم العيش الرغيد الذي لا يشعر به المواطن البعيد عن أصحاب المسؤولية هؤلاء. ولكم في السنين العشر الماضية أمثلة كثيرة وعِبَر وفيرة على ذلك يا أولي الألباب . كما ان ذلك يعني ايضاً عدم إنتخابكم كل مَن عمل ولا زال يعمل على إستغلال الدين أو الرموز الدينية للأغراض الإنتخابية . واعطوا أصواتكم ومساندتكم وتأييدكم للمرشحين الذين لا يلجأون إلى هذه الطرق للتغرير بالناس والتلاعب بعواطفهم الدينية، وأعلموا بأن المرشحين البعيدين عن توظيف الدين للأغراض الإنتخابية هم الأصلح في توجهاتهم والأكفأ في برامجهم وألأصدق في طروحاتهم لأنهم لا يعملون بأساليب اللف والدوران والكذب على الناس بوعود تسمعونها منذ أكثر من عشر سنين ولم تروا من هذه الوعود شيئاً حقيقياً يتناسب وحجم التضحيات التي قدمتموها . لقد لعب المتلاعبون بالدين أسوأ الأدوار في العملية السياسية في العراق الجديد بحيث اصبحت الطائفية والمذهبية والعشائرية والمناطقية هي السياسة الوحيدة التي يجيدونها والتي لم تقدم شيئاً للوطن والشعب . أما الإنتماء العراقي فقد ظل بعيداً عن بصر وبصيرة المتحاصصين . ولكم في تصرفاتهم الهمجية وسلوكهم الشائن في السنين العشر الماضية أمثلة جمة يا أولي الألباب . ولمعلوماتكم ، يا أهل العراق ، فإن إثم مَن يستغل الدين لهذه الأغراض السياسية اللادينية يقع على الطرفين ، اي على مَن يروج لذلك وعلى مَن يساعده على هذا الترويج سواءً بالتنفيذ أو بالتشجيع على التنفيذ أو باي شكل آخر من أشكال الإستغلال للتعاليم والرموز الدينية . فالتجارة بالأصوات ألإنتخابية مثلاً يتحمل إثمها ، حسب التعاليم الدينية الصحيحة ، البائع والمشتري على حد سواء ، وذلك لأن فعل هذه التجارة هو كفعل الرشوة ، وكما نعلم فإن الراشي والمرتشي في النار. وهذا يعني ايضاً ان لا تنتخبوا كل مَن يُشار له من قريب أو بعيد بأنه مارس ويمارس الآن ، ولا ضمان بأنه لا يمارس في المستقبل إذا ما إستمر في المواقع القيادية ، سرقة ونهب المال العام ولإثراء على حساب الفقراء والمعدمين من أبناء الشعب ، وكل مَن ساهم من قريب او بعيد بنشر هذا الوباء واستمراره واستفحاله . وباء الفساد الإداري الذي جعل من معدمي الأمس أثرياء اليوم بأموالهم وعقاراتهم وممتلكاتهم التي يريدون لها ان تتكاثر في المستقبل فيما إذا ساعدتموهم انتم في ذلك وانتخبتموهم مجدداً للمراكز القيادية في محافظاتكم . أعطوهم درساً بوعيكم وحسكم الوطني وأخبروهم من خلال أصواتكم الإنتخابية بانكم لم تكونوا غافلين عما فعله هؤلاء المفسدون في السنين العشر الماضية .
وذلك يعني ايضاً ان لا تنتخبوا مَن لم يساهم لحد الآن ولا تعتقدون بأنه سيساهم في المستقبل ايضاً بالدفاع عن حقوق المظلومين والمضطهَدين والمنكوبين الذين عانوا كثيراً من الويلات والإنتهاكات والإضطهاد والتشريد من قِبل دكتاتورية البعث الساقطة ونظامها الإرهابي المقيت ، ومَن تعتقدون بأنه سوف لن يساهم بالعمل على رفع الغبن والحيف الذي لحق بايتام وأرامل قتلى ومفقودي ومغيَبي البعثفاشية . وهذا ما جرى فعلاً من قِبَل الذين انتخبتموهم في السنين العشر الماضية . فهل ستعتبرون بذلك وتتعلمون منه يا أولي الألباب ؟ ونحن نحتفل هذه الأيام بعيد المرأة العالمي يجب علينا ان نعمل على إبعاد كلَ من عمل وسيظل يعمل في المستقبل ، ومن موقعه القيادي ، على طمس حقوق المرأة العراقية وعدم مساواتها بالرجل مساواة تامة وهي التي أثبتت وجودها وقدرتها في كافة مجالات الحياة . المرأة العراقية التي تشكل نصف المجتمع العراقي والتي قدمت التضحيات الجسام على كافة سوح النضال الوطني . المرأة العراقية الأم والأخت والزوجة والبنت ، الصديقة والرفيقة ، القريبة والبعيدة ، التي لا نرضى وصفها بالدونية والعَورَة وبنقص العقل والدين وهي التي أثبتت بأنها أكبر عقلاً من كثير من هؤلاء الأدعياء . فاطردوا أعداء المرأة هؤلاء عن مراكز القرار ، ايها العراقيون . ولا فرق هنا بين أعداء المرأة من النساء والرجال . فهناك نساء مرشحات ايضاً إلا انهن مع الأسف الشديد لم يزلن يعشن في عقلية القرون الوسطى . فكيف تستطيع مثل هذه المرأة النضال في سبيل حقوق بنات جنسها ، ناهيك عن حقوق المواطنين جميعاً ، إن كانت لا تتصرف بموقعها السياسي الذي رشحت له بدون إذن زوجها الذي قد لا يفقه من السياسة شيئاً . فهل ترضون ذلك لكم ولعوائلكم والذي جرى لكم في السنين العشر الأخيرة ؟ إن جميع الناخبين في المحافظات العراقية مدعوون لأن يعتبروا بالسنين العشر الماضية التي تربع فيها الجهلاء والأميون على المفاصل الحساسة في إدارات المحافظات وفي عموم المؤسسات الوطنية التي اوصلوها إلى الحضيض في الإنجاز وفي مختلف المجالات . فلا تنتخبوا كل مَن لا يملك من القابليات العلمية والفنية والسياسية التي تؤهله للمساهمة الحقيقية في بناء وتطوير العراق الجديد زراعياً وصناعياً وثقافياَ واجتماعياً ، وكل في محافظته ومن موقعه. ولا تنتخبوا كل مَن لا يملك من الحرص والإخلاص ما يكفي للنهوض بهذه الأعباء الوطنية التي لم يجر عليها اي تغيير إيجابي بالمستوى الذي يتناسب مع تغيير النظام الدكتاتوري الساقط ، خلال السنين العشر الماضية من المحاصصات الطائفية والقومية الشوفينية ، لا بل تعرض أكثرها إلى تقهقر واضح جعل من وطننا عاجزاً عن تلبية ابسط متطلبات هذه المحاور لأهله ، هذه المحاور التي لا يمكن لأي بلد النهوض والسير في ركب المسيرة العالمية الحديثة بدونها . آفة البطالة التي سببتها السياسة اللاوطنية للذين إنتخبتموهم في السنين الماضية ومَن أثبتوا بأنهم لا يعملون بجد على مكافحة هذه الآفة التي تفترس إمكانيات شاباتنا وشبابنا الذين لا يجدون من العمل الذي يساعدهم على المساهمة برفع شأن وطنهم . هذه الطاقات الجبارة التي لم يلتفت إليها ساسة العراق ولم تعالجها مجالس المحافظات الذين أفرغوا ساحة العمل للمتاجرين بأرزاق الناس وبقوت يومهم ، هؤلاء ، سياسيو الصِدفة كما سماهم واحدٌ منهم، الذين يساومون المواطن على التعيين أو على إيجاد فرصة عمل ، ولم تعد القابلية العلمية والكفاءة المهنية هي الفيصل في أمور التعيين ، بل المحسوبية والحزبية والعشائرية وكم " ورقة " يستطيع طالب الوظيفة تقديمها إلى سمسار التعيينات كي ينال ما يصبو إليه من عمل يسد به رمقه ورمق أطفاله . لا تنتخبوا كل مَن يسعى لإستمرار هذا النهج المنافي لكل المبادئ ألأخلاقية والدينية ، لا بل ويسعى بعض هؤلاء الذين يريدون منكم ان تعطونهم أصواتكم هذه المرة أيضاً على تعميق هذا النهج ليصبح من بديهيات التعيين في الوظائف الحكومية أو في المؤسسات العاملة اليوم في وطننا .لقد إستمر العاطلون عن العمل على المعاناة اليومية بالحصول على لقمة العيش في أغنى بلد في العالم ، واستمر إلى جانب ذلك جشع وطمع المتنفذين في ان يزيدوا من أموالهم ويوسعوا عقاراتهم. ولكم في السنين العشر الماضية عِبرَة يا أولي الألباب . هذه مناجاة لذوي الألباب من العراقيات والعراقين الذين يفكرون بمصير شعبهم ووطنهم ومصالح محافظاتهم لأن يفكروا جدياً أين وبمن سيضعون ثقتهم في العشرين من نيسان القادم.
|