قال شيخ العائلة الايزيدية الذي بتنا ليلتنا في منزله بقضاء الشيخان قبل سبع سنوات: عندما يحتاج الغريب الهارب و”المطلوب” الى مكان يلوذ به، ويحميه، فان عليه ان يبحث عن بيت ايزيدي.. فالايزيدي يشب على الشهامة والفروسية واحتقار الغدر، واضاف الرجل، فيما كانت ترتسم على قسمات وجهه امارات الصدق والثقة، ان الايزيدي يضاعف خدمته لزائر له او لاجئ اليه، اذا ما كان مسلما أو مسيحيا ، او من اية ديانة، أو قومية اخرى، اما اذا كان مطلوبا وهاربا فان الايزيدي يتصرف معه كما لو انه شريك في قضيته، وقد يموت في سبيلها. كتبت مرة، ان الايزيديين، كما شاهدتهم في قراهم،كائنات مكانية شديدة التعلق بالارض ومسقط الرأس، وهي ترفع المكان الى مستوى التقديس، وهم لا يحملون ضغائن المخلوقات المعروفة إزاء المخلوقات الاخرى التي قهرتهم وأذلتهم. سألت مضيفنا الشيخ: لماذا، وكيف اصبحتم هكذا ايها، الشيخ؟ قال الرجل الشيخاني، لقد مرّت علينا من المصائب والتجارب ما جعلنا نتعلم من هذا الصخر الذي نعيش في فجواته الصبر الاسطوري، وجمال الترحاب، وصدق الاستقبال، وفي “لالش” ستجدون مدونات عن هذه الخصال ما تحتاجون الى مجلدات لكي تراجعونها.. اما نحن فقد حفظناها عن غيب، وترجمناها الى سلوك وحليب وصدور رحبة امام كل غريب. وماذا ايضا، ايها الشيخ؟. سكتَ طويلا، فاعدتُ عليه السؤال، ولمحتُ عاصفةً من المرارة وهي تهب على وجهه، والتمعت دمعةٌ نبيلة في عينيه.. وقال في الاخير: كل مصائبنا والمذابح التي حلت بنا جرت على يد غرباء، غزاة، لكن ذلك لم يكن ليغيّر من نظرتنا الى الانسان الآخر.. انها عقيدة سيدي، من عقائد الايزيديين، وهي الى ذلك خُلُقٌ، نعتز بنبالته.. وفي مأثوراتنا الايزيدية المقدسة قول نفخر به: يأثم الايزيدي إذا مدّ رجله امام جليسه”. عندما كنا نغادر منزل الشيخ الشيخاني ونودعه مع صفوة ابنائه، اصطفت كريماته وحفيداته، كبارا وصغارا، على بداية الطريق ليودعننا باجمل الكلمات وما لديهن من اجمل الملابس، ومنذ اكثر من شهر شغلني السؤال عن مصائر العائلة بعد اجتياح الغبار الداعشي المنطقة، فعرفت ان بعض النسوة اللواتي ودعننا وقعن في اسر الغزاة الغرباء المتحدرين من قاذروات العالم وغاباته. استعيد وجوههن الآن، فاشعر ان الصمت حيال محنتهن عار، فتعالوا نتقاسمه.
“” لا يمكنك الارتحال في طريق إلا حين تصبح أنت الطريق". بوذا
|