ترك البيت الهاشمي بصماتهُ في السفر العظيم لتراث الأمة ، في ثقافة الأدب والشعر والنثروفن الخطابة في السهل الممتنع ودقة المنهجية العلمية ، والفروسية ، ومكارم الأخلاق في الوعظ والأرشاد، والكرم والجود بالنفس لتحقيق الوحدة المجتمعية . واليوم نحن أمام أحد أعمدة البيت الهاشمي وأقماره " الحسن أبن علي" طودٌ شامخٌ ، وقورٌ صبورٌ، سيّدٌ ، كريمٌ ، ورحيمٌ ، وحليمٌ ، ومتواضعٌ ، ومن ألقابهِ المجتبى ، الزكي ، كريم أهل البيت ، ريحانة رسول الله ، كيف لا وقد نَهَلَ من المدرسة النبوية لسبع سنوات ، ومن المدرسة العلوية ثلاثين سنة لذا أصبح حضورهُ بارزاً ومميّزاً في شخصيةٍ محوريةٍ أسمهُ الأمام " الحسن أبن علي" نجددُ ذكرى أستشهادهِ الغائب الحاضرفي 7 صفر 50 للهجرة ، والذي يصادف اليوم ، وأستشهد بالسّمْ على يد زوجتهِ جعده بنت الأشعث الكندي بأمرٍ من معاوية – خصمهُ ومنافسهُ ومغتصب حقهُ افي الخلافة – مروج الذهب /ج2 ص36 ) . الصلح أو التنازل الأسباب : يصحُ هنا أنْ نقول لكل حادثٍ حديث ، والحديث فيه طويل وخاضع للصح والخطأ ، الأفضل أنْ نلقي الضوء من الكاشف التأريخي حول هذهِ النقلة النوعية والمفصلية في حياة الأمة ، وثُمّ نترك للقاريء المثقف أنْ يقييّم مبادرة الأمام السلمية ، أو الصلحية: الأحداث تتسارع حول الأمام 1-قلة عدد أشياعه ، عدم أيمانهم بمبدأ " الأمامة " وأزدواجيتهم في الولاء ، وميلهم لحب الدنيا ، وولائهم لسلطة الأقوى وطمعهم في أغراءات معاوية المالية وتوزيع المناصب وموائدهِ الدسمة ( كتاب الحسن أبن علي- عبد القادر أحمد اليوسف ص 60 ). 2- كان عند الحسن أهم قضية – بعد أستشهاد أبيه – هي مواصلة القتال ضد معاويه ، فأنشأ جيشاً بقيادة أبن عمهِ " عبيد الله أبن العباس " ولكن معاويه أرشاه فأنقلب على الحسن ، 3-تعرَّض إلى ثلاثة محاولات أغتيال : الأولى/ رماهُ أحدهم بسهم عندما كان يصلي وجاءت بذراعهِ ، الثانية / ضربة خنجر أثناء الصلاة ، الثالثة / وهي الأخطر طعنة رمح في فخذهِ في طريقهِ إلى المدائن . (كتاب التوحيد/ لأبن خزيمه ، الطبري – الجزء الرابع) 4- معاناة الحسن * حزنهِ على فراق جدهِ ، وأبيه ، * شهد الهجوم على دار أمهِ فاطمه ، وما حصل عليها من أعتداء ، وهتك حرمة دارها ، * وشهد ما تعرّض لهُ أبوه "علي" من الظلم والجفاء وغصب خلافتهِ ، والتعرض لشخصهِ على المنابر، وقنوت الصلاة ، *شهد طعنة أبيه بالسيف أمام عينيه في المسجد وأستشهادهِ ، * قتل معاويه أصحاب أبيه واحدا تلو الآخر.( الكامل في التأريخ- لأبن الأثير ). 5- ثُمّ أنّ معاويه أكتسب الشرعية على أدارة بلاد الشام عندما عيّنهُ الخليفة الراشدي الثالث والياً عليها ، وأستقل بها عند خلافة علي ، وهذا مما ساعده على تكوين جيش أموي شامي موالي لهُ بالأغراء والقوّة ، والمعروف عن معاويه أنهُ من دهاة العرب وأحاط نفسهُ برجالٍ مثلهِ "كعمر أبن العاص" الذي يلقب بثعلب العرب الماكر، وكما يقول المثل ( شبيه الشيء منجذبٌ أليهِ ) ، كما أنّ معاوية أستعمل سياسة الشدة حيث صفى جميع أصحاب علي وخصومهِ من مؤيدي الحسن ، بأستعمال ( السُمْ ) حين وصفهُ المؤرخون بأنّ لهُ { جيشٌ من السُمْ } . الخلاصة// أختار الحسن الصلح بدل الحرب لتحقيق هدف الأصلاح في الأمّة ِ، وفضحَ نوايا عدوهِ الدنيوية ، وطلب الهدنة من معاويه " لحقن دماء المسلمين وقطع دابر الفتنة ، والقضاء على التفرقة " ( مروج الذهب /ج2 ص36،ومقاتل الطالبيين) ، ثُمّ أنّ قول جده الرسول فيهِ لا يفارق ذهنهُ عندما قال : {أنّ هذا أبني سيّدْ وسيصلح الله بهِ بين فئتين عظيمتين من المسلمين} رواهُ البخاري ، وختم قراره السياسي بهذهِ العبارة المؤثرة التي تدل على حكمة وعقلانية وحنكة هذا القمر الهاشمي {فوالله لأنْ أسالمهُ وأنا عزيز، خيرٌ منْ أنْ يقتلني وأنا أسيرهُ أو يمُنّ عليّ فتكون " سُبَةً " على بني هاشم إلى آخر الدهر}، وقد ترك الدنيا الفانية رغبة في الآخرة الباقية ، في حقن دماء الأمة ، وأجماع الكلمة على أميرٍ واحد( البخاري) – وسلامٌ عليك يوم ولدت ويوم تبعثُ حيا -
|