نعرف جميعاً "إيجابيات" التجنيد الألزامي، في الدول التي هي " دولٌ " و " أوطان "، قبل أن تكون مجرد مُعسْكَر، أو" ثكنةٍ " لأبناءها ، ضمن فئة عمريّة معينة. غير أنّنا في العراق. وفي العراق مرّت مياهٌ كثيرةُ من تحت جسر الجيش، الذي كانت لهُ، وعليه،أشياء وأشياء وأشياء. لماذا هذه العجالة في طرح موضوع التجنيد الألزامي؟ لماذا لا تتم دراسة هذا الأمر برويّة وهدوء، وهو حمّالُ أوجه.. وأوجه كثيرة ؟ هل التجنيد الألزامي هو الذي"يجمع "، وسط كلّ هذه الأشياء التي " تُفرّقُ ".. وتفرّقُ بيننا دون رحمة ؟ هل التجنيد "الألزامي " أهمُّ من محو الأميّة "الألزامي" ، ومن النهوض بالمستوى البائس للتعليم الأوّلي ، والمحتوى العقيم للتعليم العالي ؟. أيّ مجال من هذه المجالات هو الأكثر ضماناً للوطنيّة " الجامعة " من الآخر؟ لماذا نترك الزينة تطغى على الحقيقة،والجعجعةُ تطغى على صوت العقل ؟ لماذا لا نحتكمُ لمبدأ التكلفة - العائد في أختيار الأولويات، والأهتمامات " الوطنية "، وفي حسم الكثير من " مشروعات " حياتنا الملتبسة، والغارقة في الفوضى ؟ لماذا لا يضع الخبراء العسكريون والمدنيون ( في مختلف الأختصاصات ) هذا الموضوع على طاولة الدراسة، ويشبعونه بحثاً وتمحيصاً ،وأن يتم أخضاع نظام التجنيد الألزامي القديم ، لدراسة نقديّة وتقيّيمية جادة،لأستخلاص الدروس، واستنباط العِبَر منهُ ، وحوله ؟ لو أنّ هؤلاء " المزايدين " في سوق السياسة الفاسد حتّى النخاع ، كانو قد أدّوا الخدمة الألزامية،وعرفوا حجم التبديد والذهول والفساد واللاجدوى، وضياع الوقتِ والجهدِ والمواردِ المصاحب لها ، لما قدّموها لنا كإنجازٍ جاهز، يحاولون من خلاله التغطية على " فشلهم المُستدام ، في جميع المجالات. أمّا إذا كانت النوايا حسنة ، وطيّبة ، والحماسة الوطنيّة هي الغالبة ، فأنّ هذه النوايا لوحدها، لن تقودنا بالضرورة لما نعتقد أنّها ستقودنا اليه. " النوايا الطيبة " لا تصلحُ أن تكون " مقدمات منطقيّة " لـ " نتائج منطقيّة " نرجوها منها. وعندما يتم " سلق " الحلول على عجل، فأنّنا لن نحصد منها لاحقاً غير المزيد من خراب " الوطن " و" الوطنيّة "، وهما " المفهومان " الغائبان معاً، بين " سكان " هذه البقعة من الأرض، المسمّاة "عراقاً ". أمّا إذا كان التجنيد الألزامي مجرد مشروع لستر العورة في " مواطنتنا " و" وطنيتنا " الغائبة ،فأنّ العورات كثيرة وصادمة، ولن تسترها الأباطيل المدجّجة بالأناشيد والدجل، و استسهال الحلول الجاهزة والمحنّطة، في أرشيف العراق "الحديث" . منذ العام 1958 تحديداً ،اختبرنا كـ "مواطنين"، الكثير من تجارب الحماسة العقيمة . ودفعتْ الفئّات الشابّة من بيننا (على وجه الخصوص) الكثير من المال والدم والجهد، من أجل أشياء لا طائل منها أبداً. وها هو البلد، وقد أنهكتهُ إلى حد اللعنة مناهج التجربة والخطأ ، طيلة عقود مريرةٍ ، و طويلة ، ولم يعد قادرا ( بشيبه وشبابه) على احتمال المزيد من التجارب الفاشلة والمؤلمة ، وباهظة الكلفة. إنّ " المقاربات "القديمة لقضيّة " الهويّة " الوطنيّة، ومشكلات "الأنتماء" لوطنٍ جامعٍ، وموَحِّدْ، لم تعد صالحة للعمل في عراق ما بعد العام 2003. إنها لم تكن صالحة أصلاً لعراق ما قبل العام 2003. لقد كان نظام الخدمة العسكريّة برمتّهِ عبئاً على الدولة والمجتمع آنذاك. و من معطف هذا النظام، خرجت الكثير من مظاهر الأنقسام المجتمعي ، التي نعاني من آثارها الآن. هل نكرّر الخطأ ؟ ولماذا يكون الأصرارُ على الخطأ،هو خيارنا الممكن الوحيد ؟.
|