سعدي يوسف .. لم يعد حياً في ضمير محبيه ...!!
حين يجتاز الشاعر والاديب والكاتب  حدود الهواية ، ويتفنن في تجديد نتاجاته ليرتقي سلم الابداع باستحقاق يكون قد ارهقته الرحلة ، ودفع من دم قلبه ثمناً  ،وعصارى فكره ضريبةً ، والترقب والانتظار والوحدة  ، والسهر الطويل وجعاً ، لكي يبدو جميلاً في عيون قرائه ومتابعيه  ليبني  عشاً في ظلال محبتهم  ، ويثبت من  حضوره في افراحهم واحزانهم  ، و متمرداً على كل اشكال الاستهانة والاستهزاء بالمشاعر والاحاسيس ، متحدياً جبروت الطغاة واساليبهم في احتكار صوت الحق  في ظرف كل زمان ومكان لكي  يغنيه  الزمن حتى بعد رحيله ولا يبكيه ، باعتباره ثروة وطنية خالدة ، وملك لتراثه الوطني ....
اذن .. اذا كان الوصول الى القمة من اصعب المهمات عند الكاتب والشاعر ، فان مسالة الحفاظ عليها ستكون أكبر ،  وهي من المسؤوليات الكبيرة التي غالبا ما  تلزمه ان يتحمل عبء الايام ومرارتها ، ولا يستسلم لليأس و يتهرب من المواجهة  ، بمجرد اذا ما عرض عليه ان يتغنى  مقابل مغرية مالية أو جاه أو منصب ...لقد وقع العديد  ممن كانوا لهم بصمتهم الدالة على عالم الابداع والتألق في شباك الهوى والمغريات  ، واصبحوا نقطة في البحر بسبب قلة ادراكهم لشرف  الاخلاق والمسؤولية ودون الرجوع اليها ،  حين تخبطوا يميناً ويساراً بكتابات مسيئة  اساءوا بها  الى أنفسهم  ثم  الى  القيم الروحية للثقافة والادب ..
لست حزينا على ما بدر من (سعدي يوسف)  بحق الكورد ، فهو هويته التي كنا على غفلة من قراءتها ، ولم نك على قدر كاف من المعرفة  بشخصيته الخفيفة  ،   ولكنني حزين على نفسي حين كنت انتقل في شارع المتنبي من كشك الى كشك انتقي مؤلفاته الشعرية ..واترك عند كل مقطع شعري له هامشاً ، و الذي كان اقل من شهرته التي كشفتها عقدته  النفسية المريضة ، و الذي حاول بقصيدته الاخيرة ان يجذب انتباه من سخروه ليسىء الى كورد وكوردستانهم النابض بتجربتها  الانسانية الفريدة التي لم يتعود سعدي يوسف  هو وامثاله منذ انشاء دولتهم التي قامت على التبعية والعنصرية  ان يجدوا الكورد بهذا المستوى من الاصرار القومي والوطني على بناء حياتهم العصرية والراقية ، بمعنى ان سعدي يوسف اوقع نفسه في ورطة ادبية واخلاقية كبيرة ، وخسر بها نفسه وتأريخه وقامته في ميدان الشعر والثقافة والادب  ، وان  حملة ردود الافعال  القوية التي عقبت نشر قصيدته ،  هي  جزء يسير جداً من الحقوق المشروعة للكورد اينما كانوا حتى وان اخذت مجرىً غير مألوف في عالم الرد على الكتابات المسيئة ، وان الجالية الكوردية في اوروبا والعالم مدعوة ان تنظم نفسها باتجاه فضح هذا الشاعر الذي تطاول بأسلوب مجرد وخالي من مواصفات الشاعر الملتزم بآداب الثقافة الوطنية   والانسانية ، والذي تجاهل انه أصبح ميتا في ضمائر محبيه  و معجبيه  شعراً  وشخصيةً....
لذلك فان تداعيات الشارع الكوردي على اساءة سعدي يوسف تبقى تغلي يوما بعد يوم ما لم  يتراجع او يعود الى رشده ويعترف بخطائه الجسيم بحق الكورد  ، ويتذكر في ذات الوقت ان الكورد هم الاكبر دوما من كل التفاهات  التي تحاول اصحابها ان تشوه من  حقيقة امة  لها شعراؤها وكتابها ومثقفيها  ،و لم يستنشقوا ابدا الا هواءً  نقيا  كنقاوتهم الوجدانية  ، ولم يكتبوا سطرا الا ونقحوه بملء الضمير ليكون سبيل تواصلهم مع المحيطين بهم من الاجناس والالوان ، ولهذا لم نجد شاعراً كوردياً اساء بطريقة مباشرة لأحد ، كما اساء سعدي يوسف حين تخبط في مستنقع  ذاته ونزعته الموبوءة بالحقد والكراهية ليصف دون حياء او خجل كوردستان ب((قردستان))  دون ان يضع في اعتباره بان في كوردستان شعب يشرفه تاريخاً وحضارة ، وأدباً وخلقاً من حيث التكوين والنشئة ....
 ولهذا ما اعتقده ان سعدي قد أصابه التأكسد الفكري  بعد ان بدأ قطار سنوات العمر   يتجه صوب العد التنازلي  ، ولم  يعد يملك شيئاً جديداً ليضيفه الى قاموس شعره  ، الذي تبدد أخيراً  بفعل عقليته العنصرية والشوفينية خصوصاً وهو قالها صراحة انه سيسكن (مصره العربية) وتنكر لوطنه العراق الذي منحه الكثير من حضنه الدافئ لينال شهرة ومكانة لم يحلم بها ابداً....و يخاطب ابناء وطنه بهذا الاسلوب القبيح  دون شعور بالخجل  ....
لقد انتحر سعدي يوسف واحرق الشعر  ، وذره كالرماد  ليعمي به عيون ابناء وطنه العراق    ، ولم يعد امامنا الا وان نلغيه من قواميس قراءتنا لشعره ان وجد له شيئاً جديدا بعد موته البشع   ونتركه لحكم التاريخ ، لكي يبقى جثة هامدة تتفسخ تحت تأثيرات عوامل الزمن