ملاحقة الفضائيين خطوة مبشرة

توقع الذين عملوا مع د. حيدر العبادي في دورات مجلس النواب العراقي السابقة اقدامه على مجموعة خطوات، منها تقليص الإنفاق الذي “داب” عليه طيلة ترأسه اللجنة المالية، ورفضه للفساد.
وفي خطوة مبكرة لا تخلو من معنى كانت الضمانات التي قدمت للمتهمين بقضية البنك المركزي، ضمنهم محافظه السابق السيد سنان الشبيبي، وتعيين د. مظهر محمد صالح مستشاراً اقتصادياً لرئيس الوزراء، التي لحقها إطلاع مجلس النواب على نتائج التحقيق في التداعيات التي لحقت بالقوات المسلحة، وإيضاح أن ما يزيد على 4 فرق هم مجرد اسماء وهمية، “فضائيين”، تدخل رواتبهم ومخصصاتهم جيوب مجموعة من الضباط الفاسدين.
وهذه الحقيقة كانت موضوع عمود لي كتبته بشأن ضرورة التمييز بين عدم أهلية القادة أو خيانتهم وبين عدم توفر الوحدات المقاتلة لهم لخوض المعارك، بفعل السجلات الوهمية لـ”حضور” الجنود” ونفقات “قدرهم” وما يلحقهما.
إن ضربة موجهة إلى رؤوس الفساد المسيئين لسمعة قواتنا المسلحة ومعاقبتهم على وفق القانون العسكري ضرورة ملحة، لكن هذه الضربة “العسكرية” من الضروري ان تأخذ مسارها إلى مجالات أوسع وأشمل، فبجانب بعض صفقات السلاح التي لم يستلمها العراق على أيام مسؤولين سابقين برغم “دفع” ثمنها مليارات الدولارات، هناك قضية بالغة الخطورة وهي تهريب العملة الصعبة بحجج الإستيراد الذي لم يتحقق سوى في سجلات دفترية احياناً، وفي بعض الأحيان “أطمأن” سارقو ارصدة العراق من العملة الصعبة إلى عدم حاجتهم حتى إلى سجلات دفترية وهمية.
إن حكومة السيد العبادي، وبشكل خاص وزراء المالية والدفاع والتخطيط والتجارة والداخلية، أقدموا على مجموعة من المبادرات القيمة بإتجاه محاربة الفساد، لكن هذه المبادرات غير كافية، بالأخص في ظل معاناة اخوتنا النازحين من هجمة داعش الظلامية، بجانب معاناة جموع اخرى من العاطلين والأرامل والأيتام والمعوقين. ومثل هذه المشاكل لا ينفع تناولها بهبات تضرب هنا وهناك، بل هناك حاجة ملحة إلى الإفادة من الأنظمة الحسابية والمصرفية المعاصرة في انظمة الحاسوب لسد ابواب الفساد، وتنظيم عملي لإنسيابية الأموال العراقية بشكل لا يقبل اللبس أو التزوير، سواء فيما يتعلق بأذونات صرف العملة الصعبة لشراء السلع والخدمات أو توزيع مستحقات الضمان الإجتماعي، وكلاهما بحاجة إلى مراجعة شاملة لقوانينهما، وبشكل يمكن البنك المركزي من ملاحقة المتلاعبين بالأموال، وملاحقة سارقي الضمان الإجتماعي، سواء باسم “الفضائيين” أو غير المستحقين.
إن المواطن، برغم هجمة داعش وكل ضجيج اوساط معينة ضد الحكومة الحالية، يحس بآفاق حقيقية تستحق منح بعض الثقة التي لا بد ان تتراكم اكثر وتتحول إلى حالة نوعية، إذا ما تضافرت جهود الحكومة والرئاستين والقضاء ومنظمات المجتمع المدني والإعلام في ملاحقة الفاسدين وفق القانون، بموضوعية بعيداً عن الضجيج وبدقة كبيرة تعتمد التحري المهني، وليس طموح ركوب موجة الشهرة والكسب السياسي الرخيص.
ولا بد هنا من التأكيد بأن هذه الخطوات وحدها تجعل المواطن مستعدا لتقبل سياسة تقشفية، بعكسه فإننا ننزلق نحو بركان التذمر والفوضى