النظام البائد.. ما زال حاضرا!

يستهجن بعض المثقفين الاعمال الدرامية التي تتناول الحقبة الصدامية على اعتبار اننا وصلنا حد الكفاية ونشعر بالتخمة من تناول تلك الحقبة وعلينا ان نهتم بالحاضر والمستقبل وكأن الحقبة الصدامية قد مضى عليها قرون !
لا شك ان هناك متعاطفين مع ذلك النظام الدكتاتوري البغيض، وهؤلاء لا يعنيني رأيهم كثيرا في هذا الموضوع، لان موقفهم واضح جدا، فهم يدعون جهارا لنقد المرحلة الحالية باعتبارها راهنا يمس حياة الناس وهو كلام حق يراد به باطل ..اذ انهم يدعوننا الى ان نغمض اعيننا عن ماض ما زلنا نعيش مراراته ولم يجف الدم الذي نزف في تلك العقود الاربعة، يريدون منا ان نسكت عن ماض ما زلنا نحصد نتائجه حتى هذه اللحظة.
قال صدام ذات يوم انه لن يسلم العراق الا حجرا على حجر ! ولكن كيف يستطيع ان يجعل من العراق ارضا خرابا وقد مضى على اختفائه عقد كامل..! لا دهشة في الموضوع . السياسة التي يسلكها بعض سياسيي الصدفة تغذي النهج الصدامي .الخلايا النائمة من مريدي واصدقاء وفدائيي صدام استيقظت وفيها من انخرط في احزاب متنفذة ارتضت التوبة اللفظية معيارا للقبول. وماذا يعنيه هو اذا بدل الزيتوني باللحية والدشداشة؟!
الفن العراقي بمجمله وليس الدرامي فقط، لم يعط المرحلة السابقة حقها من التغطية.
اين المقابر الجماعية؟ اين سجون صدام السرية؟ اين قصص المعذبين في تلك السجون ؟ من الذي كان يعذب؟ اين كتبة التقارير التي اودت بحياة الكثير من العراقيين؟
ما سر الجيش الشعبي؟هل كان الانخراط فيه اجبارا؟ وماذا عن اولئك الملكيين اكثر من الملك الذين ارتضوا التطوع في صفوف الجيش الشعبي والمخابرات والاستخبارات وقوى الامن المختلفة ؟ هل تحدثنا في عمل فني عن القوات الخاصة وقادة الحرس الجمهوري والحرس الخاص؟ ويمكن ان نذهب بعيدا لنشير الى قصر النهاية والقصص الخرافية التي حدثت فيه لعدد كبير من المواطنين. او نذهب ابعد لنكشف سجل البطولات في سجن نقرة السلمان الكائن في عمق الصحراء! قطار الموت عام 1963، وصمة العار في جبين البعث ، الم يحن الوقت لمعالجته دراميا وكشفه لابناء شعبنا ؟ المذابح بحق رجال الدين! المجازر بحق شعبنا الكوردي وتدمير مئات القرى الكردية وتهجير الاف العوائل! حملة الانفال واختفاء 180 الف كردي ! تجفيف الاهوار وتهجير الطيور والحيوانات والعباد! كارثة الحرب العراقية الايرانية! انتفاضة هور الغموكة قبيل استيلاء النظام السابق على السلطة عام 1968!
كل هذه العناوين تصلح ان تكون منطلقا لاعمال فنية راقية. ولم نقترب لحد الان من العديد منها. لذا فان الدراما العراقية لم تقدم الا القليل في كشف الماضي الاسود... ونحن نحيي الجهود التي بذلت في بعض الاعمال، على سبيل المثال لا الحصر: رباب، وابوطبر، وباب الشيخ، والدهانة، وخارطة الطريق ..الخ
ما زال الفنانون سواء في امريكا ام في الفيتنام يعالجون باعمالهم الفنية الحرب الامريكية الفيتنامية رغم مرور ما يقارب نصف قرن عليها. وما زال زملاؤهم في فرنسا والجزائر يعالجون حرب التحرير التي بدأت عام 1954 وانتهت عام 61، دون ان نسمع من ينتقدهم لانهم يحاولون النبش في صفحات التاريخ المعتم.
لسنا ماضويين، ولكن لا بد من كشف ذلك الماضي للاجيال الجديدة ولكي نفهم الحاضر ونبني مستقبلا خاليا من الدكتاتورية ..خاليا من قتل الانسان وتدمير الوطن !