الاستقرار السياسي

أن تحسين اداء الحكم وربطه بالديمقراطية ، يتطلب نوعاً من الإصلاح السياسي سواء من حيث الأسس أو التوجهات العملية بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي، فقد تتيح بعض الأنظمة درجات معينة ومحدودة من المساءلة والشفافية للادارات الادنى، لكنها تبقى  بعيدة عن المتطلبات والشروط الدولية  للديمقراطية. وتعد الحرية مهمة في عملية التنمية الإنسانية، خصوصاً إذا اعتبرنا التنمية الإنسانيةعملية توسيع خيارات الناس, لمجرد كونهم بشراً، لهم حق أصيل في العيش الكريم ، وتوسيع المشاركة الشعبية والمساءلة الفعّالة والشفافية الكاملة في ظل فصل السلطات وسيادة القانون والقضاء المستقل والنزيه والكفوء، و تنّفذ أحكامه من قبل السلطات التنفيذية.أما أنظمة الحزب الواحد حيث الدولة تقضي على  المجتمع وعلى مؤسساته المدنية، أوتحّولها إلى تابع لها فإن مسألة المساءلة والشفافية تضعف إلى حد  كبير، حيث ينتشر الفساد والتسلطية والإستبداد من قمة الهرم حتى قاعدته ,وتفرض جميع القيود التي يتعارف عليها المجتمع لحكم العلاقات المتبادلة بين أفراده بما في ذلك المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وفي القوانين والتشريعات و الأعراف والتقاليد والعادات ويعتبر ضعف المؤسسات من أهم معوقات التنمية حيث دلت الدراسات الكثيرة على أن ضعف المؤسسات يعيق تنفيذ خطط التنمية ويقلل من معدل النمو ويعيق التنمية بشكل عام. كما يعتبر البعض بأن أفرادالمجتمع في أي منطقة من مناطق الدولة هم الأقدر على رسم السياسات التي تحكم علاقاتهم ببعض وعلاقاتهم بالسلطة وهم الأقدر على تحديد الأهداف وصياغتها والعمل لتحقيق مفهوم المشاركة من أجل تحقيقها والوصول إلى التنمية المنشودة بما يتلاءم مع احتياجاتهم. ان معوقات الاستقرار السياسي والتنموي في بلدان العالم الثالث, النظام الدولي بأكمله ببعده القانوني والمؤسسي والاقتصادي والسياسي، اي تأويل وتفسير القانون بطريقة ازدواجية وانتقائية في المعايير، واستخدام المؤسسات الدولية والتحكم بالعلاقات الاقتصادية الدولية وترتيب المصالح والنفوذ والقوة والاستقطابات، اي علاقات الهيمنة التي يعاني منها ملايين البشر وعدد كبير من الشعوب التي ترزح تحت نير التبعية او الاحتلال المباشر والفقر والتهميش. كما أنه لا يمكن للإدارة السياسية وحدها من دون وجود إدارة عامة فاعلة من تحقيق إنجازات في السياسات العامة، ولا تستقيم السياسات الاقتصادية والاجتماعية بغياب المشاركة والمحاسبة والشفافية، لذلك فإن الحكم المستقر والمتوازن هو الذي يتضمن حكما ديمقراطيا فعالا ويستند إلى المشاركة الجماهيرية والمحاسبة والشفافية .ان التنمية لا تعني مجرد تنمية الموارد البشرية، أي تلبية الحاجات الأساسية، لكنها تنمية إنسانية شاملة في البشر والمؤسسات المجتمعية لتحقيق الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. فحسب مفهوم الحكم الديمقراطي المستقر ، فإن الرؤية تتحدد بمفهوم التنمية بالشراكة بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من خلال خطط بعيدة المدى لتطوير العمل المجتمعي من جهة وأفراده من جهة أخرى والعمل على التنمية البشرية، وحتّى يتم تحقيق النتائج الإيجابية في رسم الخطط ضمن إطار هذا الحكم ، مع  الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الداخلية والخارجية ودراسة المخاطر ومحاولة وضع الحلول.والمفهوم الواسع للتنمية الإنسانية يضيف الى الحريات المدنية والسياسية ,الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ليصل الى قاعدة عريضة تعتمد على مبادئ حقوق الإنسان. معظم الدول العربية عانت وتعاني من عدم الاستقرار السياسي. هناك علاقة وثيقة بين التنمية والاستقرار السياسي  والديمقراطية، لكن مثل هذه العلاقة ليست حصرية أو إجبارية ، وبالطبع فإن كل نظام ديمقراطي لابد أن يهتم بموضوعة المساواة والمساءلة والشفافية. يعتبر الالتزام السياسي التزام القيادة السياسية بالتنمية التزاماً مدعوماً بالعمل واتخاذ القرارات المناسبة من أهم الأسباب الداعمة لنجاح العملية التنموية. ويتفاوت عدم الاستقرار السياسي من التغير السريع في الحكومات والتوجيهات الحكومية وأولوياتها بحيث يتغير التزام الحكومات المتتالية بالأهداف التنموية والرؤية والأهداف الاستراتيجية إلى الحروب الداخلية أو الخارجية. ان العوامل الخارجية الاخرى كثيرة التي تحول دون بلوغ التنمية منها، احتلال الاراضي والحروب والاعمال العسكرية والنزاعات المسلحة الدولية والداخلية والارهاب الدولي، وكذلك تعرض بعض الشعوب والبلدان الى الحصار الدولي التي يمكن ان تشكل عائقاً جدياً وحقيقياُ امام التنمية وبخاصة التنمية الانسانية المستدامة والتي تعدّ انتهاكاً سافراً لحقوق الانسان . ولعل تجربة كوبا ونظام العقوبات الذي فرض عليها منذ عام 1959 والى يومنا هذا ,وكذلك الحصار الذي فرض على العراق ودام  ثلاثة عشر  عاما ,لان نظام العقوبات، الذي يقع على الدولة لمخالفة حكامها لقواعد القانون الدولي كما هو ألإدعاء من قبل الدول الكبرى، لا ينحصر ضرره على مؤسساتها فحسب، بل ينعكس على المواطن العادي، الذي لم يكن مسؤولا عن تصرفات حكومته، حتى وإن كانت استبدادية او غير شرعية في تجاوزها على القانون الدولي.النظام الديمقراطي يتطلب بالاضافة الى السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات نزيه ومجتمع مدني حر ، واحترام لحقوق الإنسان، ومساءلة الحاكم، وهذه  هي الديمقراطية على المستوى العالمي من الناحية الحقوقية الفكرية والسياسية، وهي التي أخذت بها الأمم المتحدة والعديد من الهيئات الدولية. أن الحكم الديمقراطي المتوازن  يمكن أن يقاس من خلال تحقيق حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية ومن توافر الحق في الحياة، والصحة والمسكن والطعام، والمساواة في التعليم، والأمن الشخصي والجماعي، وتعزيز مفهوم المشاركة، والتعديدية الحزبية وإجراء الانتخابات وكذلك مكافحة الفساد وهذه كلها تعتبر مكونات أساسية للتنمية المستدامة للمجتمع، بالإضافة إلى فرص بناء إعلام حر حيث يتطلب ذلك توافر بيئة تضمن استقلال المؤسسات والمنابر الإعلامية وتعطي الحق لكل إعلامي في ممارسة دوره المهني دون مراقبة أو ضغط سياسي أو آمني ودون ضغط وإكراه مجتمعي. مبدأ الحكم الديمقراطي العمل على إدخال الإصلاح كتطلع منشود للمجتمعات العربية.اللامركزية واعطاء دور اكبر للحكومات المحلية و تفعيل مبدأ توزيع السلطات على أفراد المجتمع من خلال التوزيعات الجغرافية للدولة بهدف إدارة شؤونها والحفاظ على حقوق الأفراد داخلها تشكّل بعداً عميقاً في تحقيق مفهوم الحكم الديمقراطي فيشعر الفرد بأنه هو صاحب القرار ويعتمد على نفسه من أجل تحقيق الذات من جهة، وأنه تحت المراقبة الشعبية من جهة أخرى. كما تركز الاستراتيجيات الحديثة المرتبطة بقياس الاستدامة على قياس الترابط بين مجموعة العلاقات والتي تشمل الاقتصاد واستخدام الطاقة والعوامل البيئية والاجتماعية في هيكل مستدام طويل المدى. ولقياس الكفاءة والتلاحم بين مختلف الأنظمة فإن مؤشرات الاستدامة يشمل العديد من الجوانب الواسعة مثل الاقتصاد والبيئة وثقافة وحضارة المجتمع ودور السياسة والحكومة واستخدام الموارد والتعليم والصحة والسكن والرفاهية والمواصلات.              
وخلاصة القول ان التنمية كستراتيجية، تنطلق من عملية شمولية متكاملة تتضمن جميع حقوق الانسان وهي غير قابلة للتجزئة لا يمكن ان يُصار الى رفضها بحجة وجود أنظمة غير ديمقراطية، بما يؤدي الى المساس بمصداقية الحقوق ذاتها، وكذلك لا يمكن رفضها أو تأجيلها بحجة الدعاوى التي تتحجج  بالخصوصية القومية او الدينية او الثقافية، لتعطل المنظومة الدولية والمعيارية لحق التنمية، بحجة التدخل الخارجي، لم يعد مقبولاً الهروب  من الالتزامات والمعايير الدولية، الهادفة الى احترام الفرد ودوره في المشاركة في عملية التنمية وتطوير عملية السلام الاجتماعي والتطور الديمقراطي في المجتمع، فذلك من واجبات الدول ازاء نجاح وتقدم عملية التنمية. البعد الاقتصادي والاجتماعي المرتبط بطبيعة بنية المجتمع المدني ومدى استقلاليته عن الدولة من زاوية، وطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي وتأثيرها على المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة ، وكذلك علاقتها مع الاقتصاديات الخارجية والمجتمعات الأخرى. وبالتالي فالسياسات التي يرسمها الحكم الديمقراطي يجب أن تكون منهجية وتلبي مصالح المواطنين عامة، و تحقق لهم التمتع بكافة الحقوق والحريات دونما أي تمييز وعلى قدم المساواة، وذلك يتم من خلال توفير آليات مناسبة تعمل على تقييم السياسات وتصحيحها والتصدي لإساءة استخدام السلطة والنفوذ وإهدار المال العام،ويجب الاحترام لسيادة القانون، وضمان الشفافية وحرية تداول المعلومات ضمن المساءلة والمحاسبة للقائمين على الشأن العام من خلال بيئة تقوم على التعددية وحرية الرأي