لا ينبغي ان تثير استغرابنا الاجراءات التي يتخذها رئيس الوزراء حيدر العبادي حيال الرؤوس الامنية والعسكرية، بإبعاد بعضها وإحالة بعضها الآخر الى المساءلة.. الاستغراب سيكون وارداً، إذا لم يُستبعد اولئك الذين أهانوا سمعة الجيش والنظام الامني والبلاد والشعب بالفساد والجهل وانعدام المسؤولية والايغال المقصود بالدفاع عن الخطأ واصحابه، كما ان الاستغراب سيبقى واردا اذا لم تجرِ مساءلة الذين قاموا بحماية الفاسدين والفاشلين وعديمي الشعور بالمسؤولية والاصرار على تنصيبهم فوق اخطر المناصب، وإطلاق ايديهم، على الرغم من انهم لم يكونوا كفوئين لها، وليسوا نزهاء. في هذه المعادلة، ثمة فضيلة للعبادي تتمثل في انه اعطانا جرعة من اوكسجين الثقة في ان “الحرامي” لن يبقى الى الأبد مُحصّنا بامتيازات السلطة والجاه والقبة البرلمانية حيال المحاسبة والقصاص، وان الذين راهنوا على لفلفة ملف “الفساد السياسي” حصرا، وهو بحسب العبادي من اخطر ملفات الفساد، واستبعاده عن طاولة المعاينة والملاحقة قد خسروا الرهان، في الاقل من ناحية اتساع دائرة المطالبة في الشارع والمنتديات وعلى مستوى الاعلام باخضاع ابطال هذا الملف الى حكم العدالة، وقبل ذلك الكشف عنهم، وعن خطاياهم. وإذ لا ينبغي الاستسلام للبديهيات والحتميات الساذجة، وللقول الاكثر سذاجة بانه “لا يصح إلا الصحيح” فان الاحكام التوجيهية العسكرية، مثلا، تؤكد بانه حين يتكرر خطأ الرمي، او يتزايد الرمي على الهدف الخطأ، او يتوقف الرمي في وقت لا يصح ان يتوقف، فان عليك ان تغيّر الرامي من دون تأخير، وقبل ذلك عليك ان تحقق في خلفيات هذا الخطأ، ما إذا كان مقصودا، أو ارتُكب عن جهل أو إهمال، وفي الطب، يغيرون صمامات القلب عندما تعجز عن القيام بوظيفتها في تمكين الدم من التدفق عبر القلب وتحول دون عودته في الاتجاه المعاكس. على ان الكثير ممن اكتووا بنار وحرائق الفساد، والذين تابعوا وانتقدوا، عن حرص واخلاص، اجراءات وسلطات الحماية للفاسدين والمهربين والمافيات وتشكيلات الدولة داخل دولة، ولصوص العقارات، قد يئسوا من امكانية تغيير هذا الحال، واستسلموا الى انتظار المعجزة التي تطيح بابطاله ورموزه ووكلائه، بل انهم ما كانوا ليتوقعوا ان تزاح عن صدورهم جوقة الاسماء المدججة بالنياشين الرنانة، والبطولات الزائفة، علماً، ان ما حدث ليس سوى دحرجة شطرنجية لبعض جنود الملك.. أما الملك فلا يزال ينعم بفرق التوقيت، بين ساعة الكذب وساعة القصاص.
“لا تتكلم في موقف يستدعي الصمت”.
جورج واشنطن- اول رئيس للولايات المتحدة
|