صناعة الأصنام في العراق !!


منذ ان حطّ آدم قدميه على الأرض لأول مرّة ، حتى بدأ الصراع عنيفا و قاسيا بين نقيضين ؛ الحق و الباطل ، و غالبا ما كان الباطل هو المنتصر ؛ بدأ من قابيل و هابيل ، ابني آدم ، حين قتل الأول الثاني ؛ لأن الله تقبلّ قربانا من هابيل ولم يتقبله من قابيل . و عصيان ابن نوح لأبيه حين رفض الركوب معه في السفينة لينجو مع الناجين من الغرق ، مرورا بحادثة الجبّ حين أراد اخوة يوسف قتله و التخلص منه ليخلو لهم وجه ابيهم و يكونوا من بعده قوما صالحين .،كذلك ثورة عبيد روما ضدّ العبودية و الرقّ و الطغيان بقيادة سبارتاكوس وما انتهت اليه من فواجع شكّلت موقفا تراجيديا يصرخ بوجه الحياة الاّ تتعامل بمثل هذه الدموية و القسوة مع الساعين نحو فجر فيه للأنسان كائنا من كان موضع قدم على الأرض . ويستمر الصراع ليذهب بالأمام عليّ عليه السلام غيلة و غدرا بسيف الخارجي عبد الرحمن بن ملجم . على ان لا يفوتنا الحديث عن ثورة ابن الأشعث في واسط التي استمرت لعقد و نصف من السنوات ، ولم تنته الاّ بشراء ذمم و ضمائر قواده ، وثورتي القرامطة والزنج التي أوشكتا أن تطيح بدولة بني العباس . على ان لا ننسى تراجيديا الأمام الحسين عليه السلام و صموده البطولي بوجه الطغيان الآموي و شهادته في معركة غير متكافئة وسبي عياله ، حين تخلّى العراقيون عن نصرته وقد بايعوه أول الأمر على ان يكون خليفتهم ، وما كان للذي حدث أن يحدث لولا تدفّق المال و شراء الذمم و الضمائر فباع أشباه الرجال نفوسهم و جيّروا للباطل مواقفهم ، و أداروا للحق ظهورهم . تلك كانت سابقة ظلّت تتكرر في كل العهود و الأزمنة و المناسبات ، بل أصبحت هي المشهد المألوف عبر التاريخ . ان تلوّن نفسيّة الفرد العراقي – ليس فيما أقوله تعميما – و تذبذب مواقفه كان له امتداد في التاريخ شكّل منعطفا حادا في تفكير الكثيرين و نزعة تدفع بصاحبها للفوز بالغنيمة و اصطياد الفرصة قبل ان تفلت ، ولا يهم ما ستؤول اليه حال الجميع في غد . من هنا ساير الكثيرون الباطل و اختلفوا مع الحق وهم يعلمون انهم انما يكذبون على انفسهم وعلى غيرهم .
ان التاريخ يحفظ لنا الكثير من العجب العجاب ، كأن يعصى الأمام علي و يطاع معاوية وهو على باطل . و يقتل الحسين و ينتصر القوم ليزيد .نعم يعصى عليّ لأنه على دين ، و يطاع معاوية لأنه على دنيا ؛ فكما تكونوا يولّ عليكم .فقد كان القوم أقرب الى معاوية منهم الى عليّ ، ولم يكن لهم ان يصبروا عليه وهو يحاول ادارة العجلة الى الخلف ، فليس لها ان تدور الا حيث ترى الرعية ان تدور .من هنا يتبين لنا ان المال مفسدة ، يعمي بريقه عيون ضعاف النفوس و لآكلي السحت ؛ والآ هل يصدق أحد وهويقرأ رسالة صاحب بيت مال البصرة ( أبو الأسود الدؤلي )الى الأمام عليّ يخبره فيها قائلا : انّ عاملك و ابن عمك عبد الله بن عباس قد أكل ما تحت يده بغير علمك .وحين يطالبه الأمام بكشف حساب بيت المال ، يجمع أبن عباس ما تبقّى من أموال في بيت المال و قدره نحو ستة ملايين درهم ، وبعد مساجلات يكتب الى الأمام يقول : لئن لم تدعني من اساطيرك ، لأحملن هذا المال الى معاوية يقاتلك به . لا بأس ان نترك الأمام عليّ لأحزانه وهو يرى كما يقول أنّ أمانة الناس قد خرجت و الأمة قد فتنت . 
لذا فنحن اليوم أمام نفس النموذج الذي أشرنا اليه ، نموذج عبد الله بن عباس وهم يجلسون في البرلمان لا للدفاع عن المسحوقين وانما لسحقهم حدّ النخاع ، و ليس لتحسين مستوى عيشهم و رفع غائلة الجوع و العوز عنهم و انما لدفعهم نحو الموت أقساطا . ان هذه النماذج التي صفّقت للطاغية صدام و جعلت منه ربّا آخر و ألها يعبد ، حتى مشوا بنسبه الوضيع الى النبي محمد عليه السلام ، ونافقوا و زيّفوا كل شيئ من اجل ان ينالوا رضاه ، جعلوا منه صنما يتمثلونه حتى في نومهم ، يخافون ظلّه و سطوته . دبّجوا القصائد الطوال بحقه ، و كتبوا الكتب في عبقريته وهوخلو منها ، و سوّدوا أعمدة الصحف و المجلات باطلا بالحديث عن الهامه و عبقريته و شجاعته وهم يعرفون ان ذلك محض كذب و افتراء على الحقيقة ، وحين سقط الصنم راحوا بأرجلهم و مداسهم يدوسون رأسه . وحين بزغ نجم المالكي قبل أن يأفل ، كانوا قد التفوا كفراخ البطّ حول امهم ، به يتباركون ، لابل يدافعون عن كل عيوبه و أطائه و سياسته الرعناء التي أوصلت العراق الى الضياع و التشظّي و كادت بالمواطنين الى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر . ان هذا النموذج من النعاج مازال يتمسح بأذيال المالكي بعد ان افتضح كل شيئ ، و أخرها الجنود الفضائيون و القائمة ستطول . انّ هذا النفر الذي يكرر المشهد السابق ، مشهد تأليه و عبادة صدام ينسى ان التاريخ لا يرحم ، وان مزبلة التاريخ هي مكان العتاة و ان اي حكم في التاريخ لابدّ له من مهابة . و ان هيبة الحكم محصلة للتفاعل بين الحاكم و المحكوم ، وهي في النهاية ضرورة ليس لصلاح الحكم ، فهذا امر آخر ، بل لتوطيد دعائمه ، و استمراره ، و استقراره . فهل كان هذا الذي ذكرناه موجودا أبّان حكم المالكي ، الذي لم يكن حكما و انما كان فوضى و فشل و امعان في الدكتاتورية .