لكن.. ماذا عن المتعففين ؟!

الدولة التي وصل لها العالم الآن، والتي يدافع عنها باستماتة، هي دولة الرفاه. وعلى الرغم من التباين الشديد للأنماط والدوافع وراء غاية الرفاه هذه، فإن هناك نظرة واحدة مشتركة حول هذا المفهوم، وهو شعور عام نجم عن معاناة الأمم من الحروب وظروف الكساد التي مرت بها.
في العالم الأول يرتبط الرفاه، بالتصنيع وما نجم عنه من تغيرات اجتماعية، إذ تمثل الحماية الاجتماعية الآثار الخارجية السلبية لاقتصاد السوق.. والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان، ما شكل دولة الرفاه التي ننشدها في العراق !
في ظل فورة نفطية جديدة، تتولد عنها زيادات متتالية وسريعة في الدخل، وعدم مقدرة للتحول إلى اقتصاد سوق منتج وسيادة للدولة بشكلها المتضخم وغير المنتج، يحدث أن تساهم الدولة في سوء توزيع الدخول والثروات، وعدم مقدرة على تحسين سوء التوزيع هذا.
والنموذج (المقلد) الذي تم تبنيه يستند إلى تعزيز الدخول من خلال توفير شبكة رعاية اجتماعية للطبقات الأقل حظا. وهذا النظام الذي من المفترض به أن يحسن العدالة ويقلل من سوء التوزيع الأولي، يولد نظام عدم عدالة ذاتيه، وهذه مردها أمران رئيسان، الأول أن هذا النظام يعمل في بلد يحوي  أسوأ منظومة معلومات ممكن، مصدرها الفريد هو البطاقة التموينية، ربة المراجع السكانية، بحيث أن أخطر الاحداث؛ مثل الدستور والانتخابات، تم الاستناد فيه إلى تلك البطاقة.  كما أن شبكة الرعاية هذه تعاني من أسوأ أنواع الفساد، وتصرف فيها الملايين لغير مستحقيها. ما انعكس في خطأ تاريخي هو عدم وصولها إلى مستحقيها الأصليين، خاصة ما يعرف منهم بـ(المتعففين).
اليوم ومن خلال موازنة 2013 يجري الحديث عن توزيع جزء من أموال الموازنة إلى الشعب العراقي، وهو أمر يأتي في ذات السياق الاجتماعي الذي يعود إلى وجود مفارقة الوفرة والفقر.
أوجه كلامي هذا تحديدا إلى التيار الصدري؛ مروج المشروع، فهو من ستقع عليه في النهاية مسؤولية نجاحه من عدمها. أقول لهم، إن مشروع توزيع فوائض الموازنة، لا يجب أن يعامل كباقي المشاريع، التي تستهدف في الظاهر الفقراء لكنها لا تصل إليهم فعلا، هذا مع قناعتي أن نوايا التيار طيبة للغاية، لكن العبرة بالنتائج وليس النوايا كما نعلم.
دولة الرفاه، مثلما يصفها منظروها، تمثل فيها الإعانات الاجتماعية، مساعدات خارج سياق التصنيفات القديمة التي تستهدف الفقراء فقط، والأسلوب الحديث لا يراعي بالضرورة الاعتبارات المالية للفئات المستهدفة، هؤلاء يستشهدون بمثال بسيط يشبهون فيه نظام الإعانات بورقة تأمين ضد الحياة، يمكن استخدامها بواسطة كل من احترق منزله أيا كان دخله أو ثروته أو مدة اشتراكه. مثلما يمنح التعليم والصحة كتدعيم للدخل لا الإحلال محله، وذلك بغض النظر عن الدخل الذي تملكه الأمة أو أفرادها.
مقترحي أن يجري التعامل مع مشروع توزيع فائض الموازنة بذات (النفس) ، بحيث يتم  توزيعه على الجميع، وذلك على أساس أن ثروة النفط هي ملك لكل الناس، ولا بد أن يتسلموها بالتساوي، فهذا فيه حفظ لحقوق الناس جميعا، والمتعففين على وجه الخصوص.