نشر زميلي الاستاذ الدكتور داخل حسن جريو عضو المجمع العلمي العراقي مقالا بعنوان "اعلى مرجعية علمية عراقية في طي النسيان والاهمال"، قدم فيها شرحاً لتاريخ المجمع، واوضح فيها اهميته في تطوير الاداب والعلوم في العراق. وفي نهاية المقالة كتب عالمنا الجليل د. داخل يناشد (كل الخيرين من أبناء العراق الغيارى، لاسيما ممن هم في موقع المسؤولية، مد يد العون والمساعدة لانتشال المجمع العلمي العراقي من حالته المتردية، وذلك بإصدار قانونه المعدل أولا، واستكمال عدد أعضائه ثانيا، وإختيار رئيسه ثالثا، ورفد إمكاناته المادية والبشرية ليأخذ دوره الرائد في بناء مسيرة العراق العلمية والفكرية).
كما يبدو لي من تفحص صفحة مجلس النواب على موقعه الالكتروني ان القانون المعدل قد تمت قراءته الاولى من قبل مجلس النواب بتاريخ 28-10-2014 وتم نشر مسودة القانون من دون الاشارة الى التعديلات المطلوبة واسباب تأجيل اقراره ولا الى كونه تعديلا للقانون السابق حيث تتضمن المادة -1- ما يلي: يؤسس مجمع يسمى ( المجمع العلمي العراقي). وهو يعني انه لم يعد هناك مجمع علمي عراقي سابق ولا اعضاء حاليين.
ارجو من كل المهتمين بالمجمع من العلماء والاكاديمين العراقيين الاطلاع على القانون على الواصل: http://www.parliament.iq/details.aspx?LawIDF=3625
بعد ان تمت لي فرصة قراءة القانون الجديد وإعادة النظر في مواده ومقارنته بالقانون السابق رقم 3 لسنة 1995 والذي تطرق له د. داخل في مقالته، ارتأيت كتابة هذه المقالة للتنبيه بالتعديلات التي طرأت على القانون وأهميتها، خصوصا واني كنت من المشاركين في تقديم الاستشارة عندما استدعاني د. عبد ذياب العجيلي رئيس لجنة التعليم في مجلس النواب قبل اكثر من ثلاثة سنوات لحضور جلسة اللجنة لمناقشة مشروع قانون التعديل الثالث حيث قدمتُ ملاحظاتي حول اهداف وتركيبة ووظائف المجمع على ضوء التجارب العالمية بصورة شفهيه، تبعها بعد رجوعي الى ايرلندا تقديم دراسة تحريرية قدمتها للجنة تضمنت مقارنة لقانون المجمع بقوانين المجامع العالمية، بالإضافة إلى عدد كبير من المقترحات. وكعادة الجهات المستفيدة لم يتكفل مجلس النواب بتكاليف سفري ولم يرسل لي اية كلمة شكر او استحسان لعملي الاستشاري.
يحمل القانون الجديد العديد من التعديلات المهمة والأساسية على القانون السابق الا انه احتفظ بطبيعته الرسمية كونه جهاز علمي وليس مرجعية علمية. سأحاول هنا ان اسجل بعض الملاحظات حول القانون الجديد وعلى ضوء ما كنت قد اقترحته سابقا امام لجنة التعليم العالي والتي يبدو انها قد ضمنت عدد منها في القانون واهملت عددا اخر ولأسباب كما افهمها قد تعود الى تعارضها مع طبيعة مؤسسات الدولة العراقية والهيكلية الادارية والوظيفية التي تعتمد الرواتب والمكافئات اساسا لكل خدمة او مهمة مؤسساتية والتي فيها توزن حتى كتب الشكر والتقدير بميزان المكافئات وزيادة الراتب والدرجة الوظيفية.
1- بالرغم من عدم فك المجمع ارتباطه بمجلس الوزراء، يؤكد القانون على ان المجمع يتمتع بالشخصية المعنوية، ومع اننا نعرف معرفة اليقين من ان ذلك لا يعني استقلاليته الكاملة، إلا اننا سنفترض بحسن نية ان الدولة ترعى المجمع من دون التدخل في شؤونه العلمية. وهنا لابد من تسجيل ملاحظة مهمة حول كون جميع المجامع العلمية في العالم مستقلة. كل المؤسسات العلمية من جمعيات ومنظمات مرجعية او استشارية او شرفية خصوصا في الولايات المتحدة وبريطانيا مستقلة وليس من حق الحكومة أو البرلمان التدخل في شؤونها مطلقاً، وإذا استمر الوضع على حاله في العراق بسيطرة الحكومة والبرلمان على كل مقاليد الامور ومفاصل الحياة فانا اتخوف ان المجمع هو الآخر سيقع ضمن المحاصصة الطائفية والقومية خصوصا بعد ان اهمل القانون الية انتقاء او انتخاب الاعضاء.
2- لا زال القانون كسابقه يؤكد في اهدافه على اهتمامه الأساسي باللغات والتراث العربي والإسلامي ويهمل لدرجة ما العلوم الصرفة والتطبيقية لذلك يبدو غريبا ان نرى نوعا من عدم التناسق بين الاهداف وبين مهمات المجمع. على سبيل المثال، بينما تجمع الاهداف كل فروع المعرفة العلمية والطبية والهندسية والزراعية والإنسانية والاقتصادية والأدبية تحت اسم "المعرفة العلمية" تؤكد الاهداف على معارف اللغة والتراث والتاريخ والتعريب. ويبرز هذا الالتباس بصورة اكبر عندما نرى في الفصل الخامس ان أربعة من ستة دوائر المجمع خصصت للاختصاصات العلمية الصرفة والتطبيقية وهو ما يعكس الطبيعة العلمية للمجمع الجديد وما يتناسب مع التغيرات الجذرية التي حدثت للمجامع العلمية العربية وتبدل اولوياتها ومع ما أكدنا عليه في اقتراحاتنا سابقا. وهنا اعتقد انه لابد من اعادة صياغة الاهداف لتتناسب مع بنية الهيكل التنظيمي للمجمع. لذا فانه من الافضل في غياب تحديد واضح لطبيعة المجمع ان يستحدث اكثر من مجمع كما هو عليه في مصر حيث يوجد مجمع علمي مصري ومجمع للغة العربية، وفي بريطانيا توجد الجمعية الملكية (تعرّف نفسها بانها تمثل زمالة لأبرز علماء العالم في مجالات العلوم والهندسة والطب) والأكاديمية الملكية للموسيقى، والأكاديمية الملكية للهندسة، والجمعية الملكية للكيمياء على سبيل المثال. وفي الولايات المتحدة توجد الاكاديمية الوطنية للعلوم، وهي تهتم بالعلوم والتكنولوجيا وتضم 500 عضو من ابرز علماء امريكا والعالم، والأكاديمية الامريكية للآداب والعلوم (الاكاديمية الامريكية) وتضم 4600 عضو منهم اكثر من 200 عضو من الحاصلين على جائزة نوبل، وأكثر من مائة من الحاصلين على جائزة بلتزر للآداب والفنون، وعدد أخر من المجامع العلمية.
3- لم يتضمن المجمع تعريفا واضحا له ولا لرسالته فلا يمكنك من التعرف على هويته. فعلى سبيل المثال يمكن البدء بذكر ان المجمع العلمي هو مجمع من العلماء المرموقين العاملين في مجال العلوم الانسانية والطبيعية، مكرسة لتعزيز الآداب الانسانية والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا وتوسيع حدود المعرفة الانسانية واستخدامها من أجل المصلحة العامة. كما لا يقر هذا القانون في اي بند من بنوده ان هذا المجمع هو للعلماء، فمن هم اعضاءه ولماذا ضرورة وجوده؟ المادة الثالثة لا تشترط ان يكون العضو عالما مرموقا او متميزا او من قدم خدمات علمية متميزة للعراق بل تضمنت فقرات سطحية كأن يكون عراقيا ويتقن اللغة العربية وان يكون واسع الاطلاع وله انتاج أصيل، وهي شروط يتحلى بها آلاف العراقيين او على الاقل يمكن الادعاء بتحليها وبدون صعوبة خصوصا في الاداب والتاريخ واللغة العربية.
4- لازال استخدام تعريف الاعضاء العاملين في عضوية المجمع العلمي مبهم لان الاساس في عضوية المجامع العلمية العالمية هو التشريف وليس التكليف. لذا فأن الاعضاء العاملين يجب ان يكونوا موظفين فقط وليس علماء. اما اعضاء المجمع من العلماء فلهم وظائف اخرى في الجامعات أو مراكز البحوث او مؤسسات الدولة او بكونهم متقاعدين ولا يمكن ان يكونوا عاملين إلا عندما يتم توضيفهم لأداء مهمات وظيفية وإدارية وهي مهمات يقوم بها رئيس المجمع ومساعديه في الجهاز الاداري والموظفين فقط. لذلك فان توظيف العلماء في المجمع وإعطائهم مكافئات او رواتب يعتبر خروجا عن المألوف والمفاهيم الدولية الاعتبارية والتقديرية للعلماء وتعارضا مع طبيعة كل المجامع العلمية الدولية، وسيتطلب تنفيذ هذا القانون ان يترك العلماء وظائفهم الحالية لعدم سماح القانون العراقي بإشغال وظيفتين في آن واحد. وما يؤكد ان اعضاء المجمع سيكونون موظفين هو استحقاقهم لعطل سنوية! بالله عليكم من اين تم اعتماد مثل هذا التفصيل الوظيفي لمجمع علمي يفترض ان يضم أبرز علماء العراق؟ اعتقد ان المشرع العراقي ارتكب خطأ كبيرا باعتبار عضو المجمع موظفا في الدولة وتسري عليه أحكام قانون التقاعد، ولربما ظن بان المجمع لابد ان يكون على غرار اية مؤسسة علمية أخرى كجامعة او معهد علمي او مركز استشاري.
5- نادرا ما نجد عضوا في أكاديمية العلوم الأمريكية او الجمعية الملكية البريطانية من هو اقل من 60 سنة وحيث نجد معظم الاعضاء طاعنين في السن. المجمع العلمي العراقي سيضم اعضاء يتركونه عندما يبلغون قمة العلم لأنه غير مسموح لهم الاستمرار في (الوظيفة التكريمية). حقا ان المشرع العراقي اساء فهم طبيعة المجمع العلمي و لربما كان يجب ان يتطلب من العضو ان لا يكون عاجزا عن المشي لان العبقرية في العراق مقترنة بالقدرة الجسمية!
6- يشترط ان يكون العضو عراقيا وان يكون مقيما في العراق. غريبة هذه الفقرة حيث لا يتضمنها قانون اي مجمع علمي في العالم، فحتى المجمع العلمي المصري وهو اقدم المجامع العربية يتضمن خمسون من اصل 150 منتسبا موجودين في الخارج وله ايضا اعضاء من الاوربيين. من الضروري تغيير هذه الفقرة بأن فقط يكون العضو ملزما ان يقيم في العراق اذا ما انيطت به مهمة ادارية او وظيفية. اني الان ومنذ اربعة سنوات عضوا مرشحا للجمعية الملكية الايرلندية (المجمع العلمي الايرلندي) بسبب ندرة العضوية الجديدة لتعلقها بشغر مقعد نتيجة وفاة احد الاعضاء لكونها دائمية مدى الحياة لذا لربما لا امنح العضوية الكاملة الا بعد تقاعدي ومغادرتي ايرلندا. العضوية في كل المجاميع العلمية العالمية لا تتعلق بالجنسية وتمنح ايضا لمن يقيم خارج البلد فلماذا يحدث خلاف هذا في العراق؟
7- تحديد العدد بين 31 الى 41 سيعني حرمان العديد من العلماء من هذا التكريم المتميز، وهو عدد قليل مقارنة بالمجامع العلمية العالمية حيث يضم المجمع العلمي المصري على 150 عضوا وتضم الجمعية الملكية 1600 زميل بريطاني وعضو اجنبي. لذا اقترح زيادة العدد الى مائة عضو توضع الية لانتخابهم او انتقائهم لأنهم سيكونون النواة للمجمع الجديد بعدها سيكون من الصعوبة قبول اعضاء جدد حيث لا يمكن اضافة عضو جديد إلا بعد وفاة عضو وشغر مقعده وعندئذ لابد من وضع آلية لانتخاب الاعضاء الجدد. بالنسبة للأعضاء المؤسسين فيجب ان يستند على كون العضو متميزاً علميا، ومن افضل العلماء العراقيين وبضمن شروط منها خدمة العلم والمجتمع العراقي على سبيل المثال. تتشكل في البداية لجنة عالمية حيادية تدعو العلماء العراقيين في كل فروع المعرفة بتقديم سيرهم الذاتية ينتقى منهم العدد اللازم لإشغال مقاعد المجمع. اما الاعضاء الجدد فيتم انتخابهم سنويا من خلال عملية طويلة بعد الترشيح وتخضع الى التصويت من قبل الاعضاء الاصليين والحاليين وحسب عدد المقاعد الشاغرة. حاليا وحسب مسودة القانون الجديد لا نعرف كيف يتم انتقاء الاعضاء؟ ومن ينتقيهم او ينتخبهم؟ لربما الحكومة الحالية او مجلس النواب !!! املي ورجائي ان لا يكون المجمع اداة بيد الدولة. ارجعوا الى المجامع العلمية في امريكا وبريطانيا وأوربا وستجدونها مستقلة تماما.
باختصار الصيغة الحالية لازالت لا تناسب مفهوم المجمع العلمي ولا تتماشى مع التطور العلمي العالمي، كما انها لن تساعد على تطوير العلم والتكنولوجيا في العراق، ولا زالت هذه الصيغة تختلف اختلافا جوهريا عن صيغ المجامع العلمية العالمية، وهي باعتقادي ليست صيغة متطورة كثيرا عن قانون المجمع عام 1995. انه قانون يهتم بالوظيفة الادارية ويهمل الجوهر العلمي الشرفي والتقديري. انه قانون مرتبك يحاول ان يجمع بين كونه كمجمع علمي ومجمع للغة العربية والتاريخ يأخذ بالاعتبار الطبيعة التعددية القومية واللغوية للعراق، وهو قانون لمؤسسة حكومية وظيفية على غرار جامعة او معهد عالي وليس كمرجعية علمية شرفية تقديرية لعلماء العراق المرموقين. لا بد من اعادة النظر في محتويات القانون لربما بالاستعانة بعلماء عرب وأجانب لكي يكون المجمع حقا مركزا لتشجيع الابتكار وللتأثير على عملية صياغة القرار في حقول المعرفة والتكنولوجيا، ومساعد لتنشيط العلوم والآداب والرياضيات، وأسلوب لزيادة الفرص للحصول على ما هو افضل علميا وعالميا، ومركزا للإلهام العلمي وإثارة الرغبة في الاكتشافات العلمية.
|